كثُرت التكهنات حول طبيعة أهداف الزيارة التي يعتزم الرئيس الأميركي جو بايدن القيام بها إلى كلٍ من إسرائيل والمناطق الفلسطينية المحتلة والمملكة العربية السعودية، ما بين 13 و 16 تموز 2022، وخصوصاً أنها تأتي وسط توترات متصاعدة، ناجمة عن استعصاء المحادثات الدولية التي تستضيفها فيينا حول الملف النووي الإيراني، وتصاعد التهديدات التي يطلقها الزعماء الإسرائيليون بشأن عزمهم على مواجهة إيران بصورة مباشرة، فضلاً عن الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار النفط والغاز جراء استمرار الحرب في أوكرانيا.
تعزيز أمن إسرائيل وتوسيع دائرة التطبيع العربي معها
في 14 حزيران/الماضي، أعلن نفتالي بينت في بيان صادر عن ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية، والذي من المفترض أن يسلم الآن مهام رئاسة الحكومة إلى وزير الخارجية يائير لبيد، أن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن المرتقبة إلى منطقة الشرق الأوسط «ستكشف عن مزيد من الخطوات الأميركية الرامية إلى تعزيز اندماج إسرائيل في المنطقة، بما في ذلك اتفاقيات لتعزيز التعاون الأمني»، كما «ستساهم في تعميق العلاقات الخاصة والشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتفتح كذلك آفاقاً جديدة»، مشدداً على ترحيب إسرائيل «بزيارة بايدن إلى المنطقة، بما في ذلك زيارته المهمة إلى المملكة العربية السعودية»، وعلى مباركة جهوده «لتعزيز المصالح المشتركة بين الدول وتوسيع نطاق السلام الإقليمي»[1].
أما يائير لبيد، فقد صرّح في اليوم التالي أن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن القريبة إلى المنطقة «يمكن أن تساعد في احتواء التهديد الأمني الإيراني وتطبيع العلاقات مع السعودية»، وأضاف: «نحاول أن نضع إيران تحت وطأة حصار على الصعيدين الأمني والسياسي، لأنها تشكل تهديداً للمنطقة بأسرها لا لإسرائيل فحسب»، مؤكداً أن إسرائيل «تهدف في نهاية المطاف إلى التوصل إلى اتفاق سلام مع السعودية»، وخصوصاً «أن لإسرائيل والسعودية مصلحة مشتركة للتأكد من أن إيران لن تصبح دولة عتبة نووية»[2].
وكانت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية قد نشرت في 9 حزيران/ مقالاً توقعت فيه أن تُطرح خلال محادثات الرئيس الأميركي مع المسؤولين الإسرائيليين أفكار بشأن زيادة التعاون العسكري بين إسرائيل والدول العربية، وخصوصاً تلك التي وقعت اتفاقات «سلام» مع إسرائيل، بما في ذلك فكرة إقامة «نظام دفاع إسرائيلي عربي مشترك» لمساعدة دول المنطقة «على الاستجابة بشكل جماعي وبطريقة منسقة للتهديد المتزايد الذي تمثّله الصواريخ البالستية وصواريخ كروز الإيرانية والطائرات من دون طيار»[3]. وفي هذا السياق، أشارت مصادر في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إلى أن الرئيس جو بايدن سيطلع، خلال زيارته المرتقبة إلى إسرائيل، على «مشروع منظومة اعتراض الصواريخ بواسطة أشعة الليزر»، الذي من المتوقع نشره في غضون أعوام قليلة، وذلك «للحماية من القاذفات والصواريخ والطائرات المسيرة من دون طيار»، مشيرة «إلى أن وضع الرئيس الأميركي في الصورة من شأنه أن يساعد في تعزيز الشراكة التي يؤمل أن تسمح بزيادة التركيز على مكافحة النشاط الإرهابي ونقل المعلومات الاستخباراتية والتفكير معاً في التحديات المشتركة»[4].
بيد أن نجاح مشروع إقامة نظام أمني إسرائيلي-عربي مشترك برعاية أميركية، يستعيد مشروع «الناتو العربي» الذي طُرح في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، يبقى أمراً مشكوك فيه في نظر عدد من المحللين ومنهم أندرياس كريج، الذي نشر في 20 حزيران/ مقالاً رأى فيه أن حلفاً أمنياً بقيادة إسرائيل في المنطقة يظل «نمراً من ورق»، معتبراً أن الولايات المتحدة الأميركية «فشلت، على الرغم من كل جهودها، في إنشاء بنية تحتية أمنية مكتفية ذاتياً في المنطقة يمكنها العمل من دون قيادة أميركية، على الأقل في المجال العسكري، وهو فشل يعزى إلى حد كبير إلى شركاء الولايات المتحدة المحليين أنفسهم». فمن منظور استراتيجي، «لا توجد أرضية مشتركة أو مناخ ثقة يفضيان إلى اتفاق أمني في الشرق الأوسط؛ فبالنسبة إلى العراق وقطر والكويت وعمان، تعتبر إيران جزءاً لا يتجزأ من البنية التحتية الأمنية الإقليمية ويجب دمجها فيها»؛ ومن منظور أوسع، «تختلف تصورات التهديدات وتعريفات الأمن بشكل كبير بين الدول المختلفة في المنطقة»، كذلك فإن دول الخليج «لا تريد المخاطرة بالتصعيد العسكري مع إيران، لأنها ستكون على خط المواجهة وسيتعين عليها تحمل وطأة الرد الإيراني، وخصوصاً بعد أن أظهرت الهجمات التي رعتها إيران على البنية التحتية الهيدروكربونية في الخليج في سنة 2019 مدى ضعف هذه الدول». ويتابع المحلل نفسه، أنه حتى إسرائيل، التي «تبدو على الأقل من الناحية الخطابية أكثر الفاعلين المناهضين لإيران في المنطقة، ستكون معرضة بشدة للانتقام الإيراني؛ فعلى الرغم من التدريبات الأخيرة للجيش الإسرائيلي والتحسن في قدرات سلاحه الجوي، فإن موقف الردع هذا لا يمكن أن يجعلنا ننسى أن أي ضربة تستهدف البرنامج النووي الإيراني سيكون لها آثار عسكرية محدودة، وتكلفة باهظة أيضاً»[5].
الطاقة والتطبيع على جدول أعمال زيارة جو بايدن إلى السعودية
شهدت العلاقات الأميركية-السعودية توتراً كبيراً بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. فقد أعلن بايدن خلال حملته الانتخابية أنه سيعامل المملكة على أنها دولة «منبوذة» بسبب اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، وصدر، بعد وقت قصير من توليه منصبه، تقرير استخباراتي زعم أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «أذن شخصياً بقتل خاشقجي»، كما قلصت إدارته الدعم الأميركي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن وصارت تمارس ضغوطاً شديدة من أجل وقفها.
لكن يبدو أن المصالح الأميركية قد طغت، في حسابات الرئيس الأميركي، على الاعتبارات «الأخلاقية»، وخصوصاً بعد تفاقم أزمة الطاقة جراء الحرب الدائرة في أوكرانيا والارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار النفط والغاز، التي تساهم في التضخم المتسارع في الولايات المتحدة الأميركية، وتضعف شعبية الرئيس، الأمر الذي دفعه إلى التصميم على القيام بزيارته إلى السعودية، على الرغم من امتعاض عدد كبير من النواب الديمقراطيين، آملاً في أن تكون هذه الزيارة فرصة للضغط على القادة السعوديين من أجل زيادة إنتاج النفط وخفض أسعاره، في محاولة لإعادة التوازن إلى الأسواق العالمية، وهو ما رفضته الرياض سابقاً بحجة أن «الأسواق مزودة بالفعل بإمدادات جيدة»، وأكدت احترام اتفاقها مع روسيا ضمن تحالف «أوبك + « رغم المقاطعة التي فرضتها الدول الغربية على روسيا، علماً بأن هذه المنظمة قررت مؤخراً زيادة أكبر من المتوقع في إنتاجها خلال شهري تموز/ وآب/ القادمين[6].
ومن ناحية أخرى، أكد مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى لموقع «واللا» الإخباري الإسرائيلي أن الرئيس الأميركي سيناقش مع المسؤولين السعوديين الملف النووي الإيراني وكيفية مواجهة السياسات التي تنتهجها إيران في المنطقة، وأن البيت الأبيض يعمل في الآونة الأخيرة «على بلورة خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية»، وأن جو بايدن «ينوي طرح الموضوع خلال المحادثات التي سيجريها مع كبار المسؤولين في إسرائيل والسعودية»، مشيرين إلى أن إدارته ترى «أن خريطة الطريق الخاصة بالتطبيع بين السعودية وإسرائيل ستستغرق وقتاً، وستكون جزءاً من جدول زمني طويل الأمد»، وأن استراتيجيتها في هذا الصدد «تستند إلى مبدأ التقدم التدريجي خطوة فخطوة». وعلى الصعيد الإسرائيلي، قال مسؤول كبير إنه «لا يتوقع انفراجاً كبيراً نحو التطبيع مع السعودية خلال زيارة بايدن، لكنه شدد على أنه من المرجح أن يتم التوصل خلال الزيارة إلى اتفاق مع السعودية يسمح لشركات الطيران الإسرائيلية بالتحليق عبر الأجواء السعودية على متن الرحلات المتجهة إلى الهند وتايلاند والصين». وتفيد بعض التقارير أن إدارة جو بايدن تقوم بوساطة هادئة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل بشأن صفقة محتملة لإنهاء نقل جزيرتين استراتيجيتين في البحر الأحمر من مصر إلى المملكة العربية السعودية، وأن نجاح جهود الوساطة هذه قد تخلق مناخاً مساعداً على تطبيع العلاقات بين البلدين. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه في سياق مقابلة أجرتها مجلة «أتلانتيك» الأميركية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في آذار/ الماضي، قال إن بلاده «لا ترى إسرائيل كدولة معادية وإنما كحليف محتمل لديها العديد من المصالح المشتركة»، وأضاف: «لكن هناك بعض القضايا التي يجب حلها أولاً حتى نتمكن من الوصول إلى ذلك» في تلميح إلى الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني[7].
وبحسب جدول زيارة جو بايدن إلى السعودية، الذي سيسافر في 15 تموز/ من إسرائيل إلى مدينة جدة عن طريق رحلة مباشرة، وهو ما تم تقديمه لأول مرة على أنه «تقدم تاريخي»، فإنه سيعقد في اليوم التالي لقاء يجمعه مع زعماء دول مجلس التعاون الخليجي ومع الرئيس المصري والملك الأردني ورئيس الوزراء العراقي، وذلك بغية البحث «في المزيد من إجراءات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل»، كما ألمحت إلى ذلك باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، خلال جلسة استماع للجنة الفرعية في مجلس النواب يوم الأربعاء في 22 حزيران/الماضي، وتوقعت، في حديث إلى الصحافيين، أن تحصل «بعض الأمور المثيرة» خلال زيارة الرئيس، وقالت «نعمل خلف الكواليس مع دولتين عربيتين»، لكنها عندما سئلت عن تحديد محتوى هذه الأمور، لم تذكر باربرا ليف «ما إذا كان سيكون هناك اعتراف كامل بإسرائيل من قبل دول جديدة، أو تقدم أكثر تواضعاً في هذا الاتجاه»[8].
سيناريو متوقع للقاء جو بايدن مع الرئيس الفلسطيني
قبل سفره إلى السعودية، من المفترض أن يلتقي جو بايدن مع الرئيس محمود عباس في مدينة بيت لحم المحتلة. ومن المتوقع أن يسأل الرئيس الفلسطيني ضيفه الأميركي، بعد الترحيب به في مدينة مهد المسيح، عن مصير الوعود التي كان قد قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية الرئاسية، وخصوصاً فيما يتعلق بإعادة فتح القنصلية الأميركية في مدينة القدس الشرقية المحتلة، ومكتب ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وعن تصوّره لسبل إحياء عملية «السلام» على قاعدة حل الدولتين الذي تؤكد الإدارة الأميركية الحالية تمسكها به؛ وإذا كان الرئيس جو بايدن قد تذرع في الماضي، في سياق تبرير تخلفه عن تنفيذ وعوده إزاء الفلسطينيين، بالرغبة في الحفاظ على حكومة بينت-لبيد ومنع سقوطها، فإنه اليوم، وبعد حل الكنيست الإسرائيلي والدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة، سيتذرع، للتبرير للادارة الأميركية من اتخاذ أي خطوة جدية في مصلحة الفلسطينيين، بالأزمة السياسية التي تواجهها إسرائيل وبالرغبة في عدم توفير أوراق إضافية في يد بنيامين نتنياهو بما يمكّنه من العودة إلى السلطة.
وهكذا، ستكون زيارة جو بايدن إلى مدينة بيت لحم زيارة «رفع عتب»، يعيد خلالها التأكيد على ما كان قد ورد في بيان صحفي صدر مؤخراً عن البيت الأبيض، ومفاده أن الرئيس الأميركي يريد العمل من أجل «الأمن والسلام والفرص» للشعب الفلسطيني[9]!!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/15-6-2022.pdf»
[2]https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/16-6-2022.pdf
[3]https://www.courrierinternational.com/article/geopolitique-face-a-l-iran-un-systeme-de-defense-commun-israelo-arabe
[4]https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/17-6-2022.pdf
[5]https://www.middleeasteye.net/fr/opinionfr/etats-unis-israel-moyen-orient-visite-biden-pacte-regional-securite
[6]https://atalayar.com/fr/content/biden-vise-securiser-lapprovisionnement-en-petrole-saoudien-avant-sa-visite
[7]https://digitalprojects.palestine-studies.org/sites/default/files/23-6-2022.pdf
[8]https://look-travels.com/les-etats-unis-font-allusion-aux-etapes-de-normalisation-israelo-arabes-autour-de-la-visite-de-biden-au-moyen-orient/