اخر الاخبار

أقول، أولاً، إن قراءاتي لجميع ما يكتب عن الماركسية وعن صاحبها اللامع كارل ماركس هي بالتأكيد، باللغة العربية، لغتي الام، التي لا أجيد سواها.. شيء عظيم أن يقوم آخرون من الكتاب أو الباحثين أو المترجمين بجهدهم الكبير. أقدم التحايا الحارة الى الصديق العزيز رضا الظاهر، الذي قدم اسهامات فكرية وبحثية مميزة في الصحيفة التقدمية البغدادية الأولى “طريق الشعب”، وقد شرفني باهداء نسخة من كتابه الجديد، الموسوم: (ماركس .. هل كان على حق؟)..

وجوابي على هذا السؤال: نعم إنه على حق .

لكن قبل الإجابة على السؤال أقول لولا ذلك (الحق) لما أصبحت ماركسياً. أنا أعتبر نفسي ماركسياً من الدرجة الأولى رغم أنني قرأت كتاب كارل ماركس الأساسي، وأعني به كتاب (رأس المال) بأجزائه الثلاثة، ولم أستوعب ما فيه الا قليلاً جداً.

كنت أحاسب نفسي وألومها كثيراً، كيف أصبحت ماركسياً من دون إتقان فهم الكتاب الماركسي الأول. كان وجودي في الحزب الشيوعي العراقي والتزامي الشديد بالمنهاج الثقافي الموضوع من قبل قيادة الحزب أو بعض لجانه القيادية، أو من قبل نفسي، حين أضع برنامجاً سنوياً أو نصف سنوي لرفع مستوى معارفي تدريجياً، مصدر عون كبير. كنت أرتقي ، يوماً بعد يوم، من خلال ثقافة الحزب ومثقفيه، وعبر المناقشات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجدل الافكار، وبما يقترحون علي قراءته. أخذت، خلال ٧٠ عاماً، بنصيحة الكثيرين من رفاقي وأصدقائي بالقراءة الماركسية منذ مجلدات بليخانوف، حتى الكتاب الأخير من كتب صديقي الكريم رضا الظاهر، الماركسي، المثابر على مواكبة تطور الماركسية، وتبسيط مفاهيمها في الزمان الحاضر، زمان التطور العلمي- التكنولوجي للرأسمالية، زمان الولع الانساني، اليومي بالانترنت الذي يتابعه، ساعة بعد ساعة، عدد هائل من الماركسيين المعاصرين، كان منهم  الصديق الراحل الدكتور فالح عبد الجبار، الذي أعاد ترجمة وإصدار كتاب (رأس المال)، قبل رحيله السريع، المفاجئ. على أية حال إن عظمة ماركس وقضيته الأولى قد برزت أمام عينيه منذ حوالي ٢٠٠ سنة حين أطلق لنفسه حرية النظر والتقدير والاستنتاج ورؤية “المعلن” و”المخفي” من جميع عناصر القوة والضعف في نظام الراسمالية ومجتمعها.

أود القول إن الصديق الباحث رضا الظاهر مهتم كثيراً بقضايا الماركسية وتطبيقاتها العراقية الى جانب التطبيقات العالمية، خاصة في بلدي كارل ماركس، نفسه ألمانيا و إنكلترا. غير أنني أود تذكير نفسي وأصدقائي في كل مكان في العالم، بأن ماركس لم ينصعق، في ضريحه المرتفع العظيم، في مقبرة هايغيت بلندن، مثلما انصعق العالم، كله، حين تولى ممثلو الرأسمالية الامريكية صعق شعبنا وبلادنا والعالم أجمع بصور فظائع الاحتلال الأمريكي في نيسان 2003 وما بعده، مما كشف عن بشاعة النظام الرأسمالي في عز تطوره العلمي - التكنولوجي.

صحيح جداً ان ماركس كان على حق، كما قال، مؤكداً، المحلل الكفء رضا الظاهر، في القسم الأخير من كتابه، الصادر عن  دار الرواد (صفحة  ١٩٧) جواباً على سؤال: هل كان كارل ماركس على حق، إذ أجاب بفصل كامل من كتابه: أجل .. كان ماركس على حق.

لقد تغيرت الرأسمالية تغيراً كلياً. صارت نظاماً متوحشاً الى أقصى حد. وربما كانت الصور الملتقطة عن الممارسات الاباحية لجنود الاحتلال الأمريكان توثق الممارسة، الشخصية و العمومية، للسلوك السادي - التعذيبي، الذي جسده ممثلو الرأسمالية الامريكية بحق السجناء العراقيين. ومما يزيد الأمر شناعة أن المسؤولين عن السجناء العراقيين كانوا يتلهون بتعذيبهم من قبل الجنود الأمريكان بأفعال لا تغتفر، أجبروا فيها السجناء العراقيين على تشكيل هرم بشري تتراكم فيه أجسادهم عراة، بعضهم فوق بعض، وهي صور انتشرت على نطاق واسع وأثارت الكثير من الادانة لهذا السلوك السادي الشاذ، حيث ظهر جميع الحراس الأمريكان وهم يشيرون بعلامة الانتصار حين يهينون سجناء عراقيين. لم تكن تلك العلامة الا اهانة أمريكية للشعب العراقي.

لقد بات عالم اليوم يختلف اختلافاً جذرياً عن العالم الذي عاش ماركس وانجلز في ظل رأسماليته. الرأسمال تغير شكله والرأسمالية تبدلت مواصفاتها عندما تحولت الى شكلها الجديد، الذي أوضح الكثير من ملامحه الأستاذ الظاهر في كثير من مقالاته التي نشرها  في جريدة “طريق الشعب” العراقية، المكافحة.

وفي تقديري ان الكتاب الصغير، الذي أنتجه العقل الروائي لرضا الظاهر، كان كبيراً جدا في مضامينه، ومنهجا لتحليل العقل الرأسمالي ومرشدا لفهم تعقيدات التطور في بلادنا والأزمة المتواصلة المستعصية للنظام الاجتماعي والسياسي القائم في العراق. ويلفت الانتباه، في هذا السياق، ما كشفه لنا االمؤلف في (ص ٣١) من كتابه من أن العامل الرئيسي في إرث ماركس الفكري هو ليس (الفلسفة) وانما (النقد).

ووصف الباحث الظاهر (في ص ٣٦) عمل الفيلسوف ماركس بأنه عمل (مادي تاريخي) بعد أن حلل المجتمع الاقتصادي، الرأسمالي، وأوضح أهمية فهم الآليات الأساسية للرأسمالية وموقعها في تاريخ الصراع الطبقي، كما أشار انجلز في كلمته التوديعية لرفيقه ماركس يوم ١٧ آذار ١٨٨٣ في مقبرة هايغيت بلندن.

يبقى كارل ماركس المحلل الأعظم للنظام الراسمالي باعتباره النظام الأكثر استغلالاً للشغيلة حيث تتواصل المعاناة منتقلة من بؤس المناطق الفقيرة في زوايا الشوارع البائسة في برلين ولندن وباريس إلى مثيلاتها في البصرة وبغداد والنجف وغيرها من المدن.

ويحدد الباحث الظاهر ضرورة مجادلة الماركسية بمنهج ماركس نفسه وطريقته العلمية التي تتوغل الى ما تحت سطح العلاقات الاجتماعية - الرأسمالية لكشف حفرياتها الداخلية المحيطة بكل شيء. فقد ظلت طريقة ماركس في البحث العلمي معتمدة على كشف آليات الاستغلال، الأساسية، الواقعية، غير المرصودة، في الغالب، وهو ما يتناقض مع “الاعتبارات الوضعية” للعلوم المرصودة، تجريبياً، كما قال الأستاذ الظاهر.

وتبقى جميع الدروس المعتمدة من قبل ماركس أساساً علمياً لدى الباحث رضا الظاهر الذي أجهد نفسه، كثيراً، طوال السنوات الماضية، التي أمضاها في (دراسة الماركسية) بجوانبها المختلفة. وقد وجدته، دائماً، معتمداً على التمييز الدقيق بين حدود الاستراتيجية العمومية وخصوصية التكتيك، مما وفر له امكانيات البحث وفقا للمنهج االماركسي، والاقتراب من صنع القرار الماركسي الصائب. وقد تبوأ الكادر والباحث الشيوعي العراقي رضا الظاهر موقعه الأكثر تمسكا بالمنهجية الماركسية، والبحث العلمي في ضوء هذه المنهجية التي هي، في االجوهر، نقد الرأسمالية، وتحديد آليات الاطاحة بها.

عرض مقالات: