اخر الاخبار

في قراءة متمعنة للمقالة الممتعة التي كتبها الرفيق النصير مناف الأعسم (أبو حاتم) المعنونة (معركة سينا شيخ خدر) المنشورة في جريدة طريق الشعب انجذبت اليها مشدودا بأحداثها البطولية على سفح جبل دهوك ونهاياتها التراجيدية التي انتهت باستشهاد عدد من المقاتلين الأنصار الشيوعيين من أجل عالم جديد مبعث الهامهم وعنوان تضحياتهم في بناء عالم بلا قيود.

  وليس من شدني إلى البطولات التي اجترحها اولئك المقاتلون الشيوعيون الذين يستحقون أعلى معاني المجد  فحسب بل أن شيئا آخر أثار في نفسي كتلة من أحزان كانت راقدة في الوجدان ولم يطوها النسيان رغم مرور السنين العجاف ومرارة أحزانها مذ تركت قائد هذه المعركة الجسور أبو نصير فقد كانت بدايات تعرفي على هذا الكادر القيادي الشيوعي في منتصف ستينات القرن الماضي في مدينة الموصل الحدباء اذ كنت في حينها موظفا في دائرة الأحوال المدنية عينت  بأمر إداري صادر عن مجلس الخدمة العامة وهو النظام السائد في التعيين في الوظيفة العامة في ذلك المقطع الزمني. في ذلك المنعطف من تاريخ العراق فإن هذه المدينة التي تتربع على عرش دجلة الخير ومع أنها تكنى بأم الربيعين إلا أنها محكومة سياسيا بقوى مهيمنة على مقدراتها السياسية والاقتصادية والإدارية تتكون من تركيبة تجتمع فيها المتناقضات تتوزع بين الرجعية الاقطاعية والحركات القومية الناصرية وبقايا البعث المتبقي من عهد انقلاب الثامن من شباط عام 1963.

لقد لعب الرفيق ابو نصير دورا كبيرا في قيادة عمل هذه الهيئة الحزبية في تغذيتها بخبرته الغنية في مجال السياسة والتنظيم عبر برنامج تدريبي نظري مكثف وخاصة على استخدام السلاح الفردي بكل انواعه، وعرفنا منه ان هذا برنامجا شاملا لكل التنظيمات الحزبية في كردستان وأطراف الموصل التي تحتفظ فيها تنظيمات الحزب بإمكانيات جيدة حيث حافظت على قواها التنظيمية من هجمات الحكم الرجعي.

لقد شهدت  المدينة حادثتين هزتا مدينة الموصل الاولى اغتيال المناضل جاسم الحلة وهو من عائلة معروفة بعد خروجه من السجن مباشرة والثانية اغتيال صالح ملا صديق الملقب صالح رشاش الذي كان مرافقا لمهدي حميد ( استشهد بعد انقلاب شباط الاسود ) اما من قام بجريمة الاغتيال في الحالتين هو المجرم زغلول كشمولة وعصابته المتكونة من خلف العربية وآخرين،  وقد اثارت هاتان الحادثتان ردود فعل غاضبة بين أخيار الموصل والعوائل الديمقراطية التي أبت ان تترك مدينة الآباء والأجداد، وتيقنها من أن  أساليب القمع ستنتهي ذات يوم  وكان علينا اتخاذ موقف ما للرد على هاتين الجريمتين، فطرح خيار الرد بالعنف ضد مرتكبي الجريمتين ودار نقاش حام، إلا أن خبرة الرفيق أبو نصير وحنكته التنظيمية ونضجه السياسي قد نجح في إدارة النقاش نحو وجهة أخرى فقد أسماها انتحارا غير مبرر والرد العنفي ليس هو الخيار النضالي الوحيد واقترح بديلا آخر كخطوة تمهيدية لتحشيد القوى وهو إصدار بيان إدانة لهذه الجريمة، وبالفعل أصدرت المحلية من القوش بيانا شديد اللهجة قمنا بتوزيعه في المناطق العامة والأسواق في الموصل .

 لقد كان لصدور البيان وبهذا النطاق الواسع صدى واسع بين أهالي الموصل أما القتلة والمجرمون فلم يغادروا بيوتهم إلا بعد أسبوع من توزيع البيان معتقدين أن الحزب الشيوعي قد عاد بقوته أو أنه نزل من الجبال للقيام بعمليات انتقامية.

 إنني إذ اتذكر علاقتي بالشهيد أبو نصير في هذا الوقت فلان سجاياه النضالية ما تزال ماثلة في الذاكرة عصية على النسيان فلم يكن شجاعا فحسب والشجاعة سجيته الأولى، ولكننا عرفناه بنضج أفكاره وحسن تدبيره في التعاطي مع الظروف الصعبة وكان سياسيا ماهرا في صناعة التكتيك ومنظما بارعا فضلا عن بساطته في الحديث صلبا على المبادئ، كنت اسأله احيانا عن قلة ملابسه في الشتاء القارص فيكون الجواب الا تعرف يا رفيق إنني في الشتاء أستحم بالماء البرد.

وكم كان حزني شديدا حين علمت انه تعرض لعملية اغتيال غادرة من قبل أحد الاحزاب الكردية الكبيرة. المجد والخلود للرفيق لازار ميخو (أبو نصير) ولترقد روحك بسلام ايها البطل المغوار.

عرض مقالات: