اخر الاخبار

حكمت القوى المتنفذة عراق ما بعد الدكتاتورية، بالعرف السياسي الذي أنتج نظام المحاصصة الطائفية والاثنية ووضع الكثير من مواد الدستور على الرف مستعيضا عنها بمبدأ “شيلني وشيلك”، والتهديد بالملفات المتبادلة، وتوظيف ثالوث المحاصصة للحرب الوطنية ضد الإرهاب، كل حسب مبتغاه. وصنع المتنفذون قواعد لعبتهم للحفاظ على نظام المحاصصة باعتبارها خيمتهم المشتركة، مع استمرار صراعهم داخلها على الحصص وتحقيق الممكن، ارتباطا بالمتغيرات التي يعلمنا التاريخ استحالة ايقافها، سواء كانت داخلية، إقليمية، او دولية.

وشكلت انتفاضة تشرين 2019 المجيدة أبرزها داخليا، اذ هزت اركان نظام الدولة الفاشلة، وجاءت بسلسلة من الحقائق المعروفة. وفرضت على المتنفذين عددا من الاجراءات، استقالة حكومة عبد المهدي، وقانون جديد للانتخابات المبكرة، وظف عبرها المتنفذون، توق المنتفضين للتغيير واخطائهم التي سهلت على اقطاب النظام توظيف هيمنتهم على البرلمان والخروج بقانون انتخابات، وفق مقاساتهم وبالضد من مصلحة الأكثرية وشبيبة الانتفاضة.

لقد نجح بعضهم في توظيف القانون الجديد وأخفق الآخر، لأسباب كثيرة أبرزها طبيعة قواعدهم الجماهيرية، وافتقار قوى عديدة منهم للعمل المؤسساتي، فضلا عن امتلاكهم ذهنية سلطوية، تفتقر الى مشاريع سياسة – اجتماعية.

لقد قاطعت أكثرية مجتمعية، وقوى سياسية متنوعة الانتخابات المبكرة، كانت نسبة المشاركة الحقيقية فيها لا تصل الى 20 في المائة، ولكن هذا لم يلغ شرعيتها القانونية. وقبل اعلان النتائج الانتخابية، عشنا ثانية مارثون الطعن بشرعية الانتخابات والاحتجاج على نتائجها، وسلسلة من جولات الذهاب الى المحكمة الاتحادية، والتي لم تغير في النهاية من الواقع الذي افرزته نتائج الانتخابات، والذي نتج عنه حراك سياسي وان كان محدودا، بوصول مجموعة من النواب المستقلين من المدنيين واليسارين، الى جانب وصول مجاميع أخرى سواء المحسوبين منهم على الانتفاضة، او كتل تمثل قوى سياسية ليبرالية جديدة، كما هو الحال مع كتلة الجيل الجديد الكردستانية.

لقد تزامن كل هذا بمتغيرات دولية وإقليمية، دخول الرئيس الديمقراطي بايدن البيت الأبيض، وإمكانية العودة إلى الاتفاق على الملف النووي الإيراني، ولكن بثوب جديد، واشتراطات أمريكية جديدة.

وقبل هذا وذاك شهدنا حراكا اوليا لاتفاقات وتفاهمات بين قوى مثلث المحاصصة، سبق الحملات الانتخابية، ولم يكن جزءا منها، ولكنه أشر خوف القوى المتنفذة وحذرها الشديد مما سيحدث في قادم الأيام، ارتباطا بالمتغيرات التي أشرنا اليها.

حتى قبل الإعلان النهائي للنتائج، كان واضحا أن حضورا أقوى لاصطفافات جديدة داخل خيمة قوى المحاصصة قد تبلور ومن الصعب تجاوزه.  وبعد إعلان النتائج كان على العراقي المكتوي بنار المحاصصة والفساد، والتدخلات الخارجية، بما في ذلك العسكرية المباشرة منه، وبالتالي تأكيد لحقيقة سيئة تقول إننا نعيش في بلد منقوص السيادة، كان عليه أن يتابع سلسلة من الحوارات التلفزيونية، التي يمكن القول إن بعضها كان ساذجا، وان معظمها اهتم بتكتيكات المتنافسين، وحروبهم الالكترونية، ومارثون اجتماعاتهم ولقاءاتهم وتصريحاته وتغريد اتهم، التي لم  تخرج عن خطاب سياسي مغلف بالحرص والروح الوطنية، ولكن يبقى هدفه منع اقصاء هذا الطرف أو ذاك،  والسعي الجاد على  استمرار لعبة التوافق التي تمثل حماية للكثير من المسؤولين من فتح ملفات سياسية وأخرى متعلقة بالفساد قد تطيح بعدد كبير منهم. وبالمقابل مشروع التغيير الشكلي او الجزئي، مع الحفاظ على طبيعة النظام وآلياته، الذي يسعى له معسكر “الأقوياء”.

إن الخراب الذي تعيشه البلاد يدفع الكثيرين، إلى المراهنة على ما يمكن أن يحسب على التغيير أملا في كسر الجمود الذي يلف اعناق الناس، يدفق الكثيرين إلى المراهنة على ما يحدث عملا بمبدأ أضعف الإيمان. ومن الضروري ان لا ننسى وجود جمهرة من المنتفعين، بعضهم يحسب نفسه زورا على قوى معسكر التغيير، يرى فيما يحدث فرصة تعفيه من خوض الصراع، وكذلك الحصول على شيء من الفتات.

 أجد من الضروري تحذير قوى التغيير الحقيقية من الانجرار وراء هذه الفخ الذي يحاول ابطال المحاصصة جر قوى التغيير اليه.

لا شك ان البلاد تعيش الكثير من المتغيرات التي على قوى التغيير متابعتها ودراستها والخروج بالاستنتاجات الضرورية، وتوظيفها لطرح البدائل التي تعزز تعبئة قوى التغيير عبر أشكال تعبويه ومشاريع، سيكون بعضها جديدا، دون أية مبالغة في تقييم ما يحدث، وبالتالي الانكفاء عن مشروع التغيير، والعودة إلى مربعات أكدت الحياة على عدم صلاحيتها، فما نعيشه ببساطة صراع مشاريع، ولحد الآن لم تفرز حقائق الصراع مساحة مشتركة بين صقور منظومة المحاصصة والفساد وقوى التغيير الساعية لغد أفضل.

عرض مقالات: