اخر الاخبار

جمهورية السلفادور هي أصغر دولة في أمريكا الوسطى وأكثرها كثافة سكانية. عاصمة الدولة هي سان سلفادور وهي أكبر مدنها. يحد السلفادور المحيط الهادئ من الغرب وغواتيمالا من الشمال وهندوراس من الشرق. تبلغ مساحتها 21,040 كم²، وعدد سكانها، وفق أفضل التقديرات 7 مليون نسمة. ونظامها السياسي جمهوري رئاسي.

منذ اعتماد البيتكوين (عملة الكترونية مشفرة) إلى جانب الدولار عملة رسمية في السلفادور في 7 أيلول 2021، اجتاحت البلاد موجة من الاحتجاجات. ومنذ 17 تشرين الأول، خرج الآلاف إلى الشوارع في سان سلفادور ضد حكومة الرئيس نجيب أبو كيله. ولم تقتصر شعارات الحركة الاحتجاجية على رفض العملة الجديدة فقط "البيتكوين احتيال"، بل رفع المحتجون شعارات أخرى مثل أبرزها "لا للديكتاتورية".

في حوار لها مع جريدة "نيوزدويجلاند" تحدثت النائبة يولاندا أنابيل بيلوسو سالازار عن حزب جبهة  فارابوندو مارتي للتحرر الوطني، حول التطورات ة في السلفادور في ظل حكم رئيسه المستبد نجيب ابوكيله، ومهام قوى اليسار والتحديات التي تواجهها. والحوار يعطي صورة جيدة للقارئ عما يدور في هذا البلد الأمريكي اللاتيني، وفي هذه المساهمة نقدم عرضا مكثفا لما ورد فيه.

خلفيات الاحتجاج

لقد شهدت البلاد تصعيدا يستند إلى مسببات واقعية، فمنذ أن تولت حكومة أبو كيله السلطة في عام 2019، تركزت جميع أعمالها وقراراتها على هدف إعادة بناء النظام السياسي باتجاه نظام استبدادي. ويتزامن ذلك مع إعادة تشكيل الاقتصاد بطريقة تصب في مصلحة عائلة الرئيس والعوائل المتحالفة معها.  والرئيس أساسا رجل اعمال، يعزز سلطته الاقتصادية من خلال توظيف المال العام. وأصدر قوانين وفق مصالحه الاقتصادية -مثل قانون البيتكوين، الذي اعتمد العملة المشفرة كعملة قانونية على قدم المساواة مع الدولار الأمريكي. وهذا يعود بالفائدة على مجموعة شركات عائلته وأصدقائه.

هناك 14 عائلة تمثل الأوليغارشية الكلاسيكية في البلاد، والتي قسمت البلاد إلى 14 مقاطعة وكل عائلة تسيطر على اقتصاد احدى هذه المقاطعات. والجديد في الأمر انقسام هذه العوائل إلى فريقين الأول يناصر الرئيس، والثاني يتنازع معه. المناصرون يسعون لتعزيز سلطتهم الاقتصادية، عبر استغلال المال العام، مثل انشاء شركة "شيفو"، التي تدير البورصة الافتراضية للعملة الجديدة، بأموال عامة. ويوفر الرئيس لشركاته المباشرة وغير المباشرة عقودا مربحة ومريحة، ومنح تشغيل شركة الشحن الجوي الجديدة، لمدة 35 عاما، لمدير حملته الانتخابية.

ويلعب الوباء دورًا ايضا. ان ما يثير غضب المنتجين المحليين، قيام الرئيس بتوسيع استيراد المواد الغذائية الأساسية والسلع الاستهلاكية، على حساب الإنتاج المحلي، أثناء أزمة الوباء. كما أن قطاع النقل في حالة اضطراب. ومنذ 20 تشرين الأول، هدد عمال النقل بالنزول إلى الشوارع، في حال عدم تلبية مطالبهم. إنهم غاضبون من ارتفاع أسعار الوقود. على الرغم من وجود إعانات حكومية لقطاع النقل، إلا أنه لم يعد يعمل بشكل صحيح. وبالنتيجة هناك العديد من الأسباب التي تدفع الناس إلى النزول إلى الشوارع. لذا فإن الأمر يتعلق بما هو أكثر بكثير من قانون اعتماد البيتكوين الذي سبب انطلاق الاحتجاجات. وحتى الآن، تبدو الحكومة غير مكترثة بمطالب المحتجين. وبدلاً من ذلك، تطعن في شرعية الاحتجاجات.

إعادة هيكلة النظام السياسي

في الأول من ايار، صوت البرلمان الجديد، الذي يتمتع فيه الحزب الحاكم "نويفاس ايدين" (أفكار جديدة) بأغلبية أكثر من الثلثين، بإقالة جميع قضاة المحكمة الدستورية الخمسة الذين عارضوا بوكيله في الماضي. لقد انتهك النواب الدستور الحالي. وسيطروا عبر ممارسات غير شرعية على جميع المؤسسات، بما في ذلك المحكمة العليا ومكتب المدعي العام. يسير الرئيس بشكل متزايد إلى نظام استبدادي، وبالمقابل يواجه المزيد والمزيد من مقاومة من السكان. لهذا السبب لم تنحصر شعارات المحتجين برفض قرار اعتماد العملة الجديدة، بل تعاملت بشكل مباشر مع سلوك السلطة.

رفض العملة

الأكثرية ترفض العملة الجديدة، لوجود انطباع لدى عامة الناس بأنها ليس مفيدة لهم بأي حال من الأحوال. وفي استطلاعات الرأي، تحدث 90 بالمائة من المشاركين ضد البيتكوين كعملة قانونية. إن عامة الناس على يقين من أن ذلك لن يساعدهم في التعامل مع مشاكلهم الاقتصادية، وأنه لن ينقذ الاقتصاد الأسري غير الرسمي، بل سيساهم في المزيد من عدم المساواة. كما أنه يفتح نافذة على الاحتيال وسرقة هوية الأفراد القانونية.  لقد وقع الكثيرون ضحايا لاستخدام رقم بطاقاتهم الشخصية في تنزيل التطبيق. ولا توجد آليات تمنع انتحال شخصية الغير، وليس هناك قوانين لحماية البيانات الرسمية في السلفادور.

ان اعتماد العملة الجديدة هو أحد القضايا العديدة التي تدفع السلفادوريين إلى الشوارع. والعسكرة هي ملف آخر يروج له أبو كيله. لقد أعلن أنه يريد مضاعفة عدد الجنود في السنوات القليلة المقبلة وقد رفع بالفعل، بشكل كبير قيمة التخصيصات العسكرية للعام المقبل. في بلد تقلص فيه دور الجيش منذ اتفاق السلام عام 1992. يعيد أبو كيله عقارب الساعة إلى الوراء ويعطي الجيش مرة أخرى سلطات لا تتوافق مع الدستور. السكان يرفضون هذه السياسة، وقد خبروا قمع العسكر في الماضي.

إن حجة أبو كيله القائلة ان البيتكوين أكثر مقاومة للتضخم من الدولار الأمريكي، حجة غير صحيحة. وما يقلق السكان هو ارتفاع تكاليف المعيشة. ولا يوجد رد سياسي على ذلك. وهذا يؤثر على الناس، بغض النظر إذا كان ذلك هو ارتفاع أسعار الوقود أو ارتفاع أسعار الخدمات العامة الأساسية مثل الكهرباء والماء. كل شيء يزداد تكلفة ولا يوجد حل من الحكومة. واعتماد البيتكوين ليس حلا.

في الطريق إلى الاستبداد

جميع المؤشرات تقول إن النظام السياسي يسير بوتائر سريعة نحو الاستبداد، وتركيز متزايد للسلطة. يتجاهل الرئيس الدستور، ويحكم بأساليب سلطوية، ويجري السعي للسيطرة التامة على الادعاء العام والشرطة، وتقويض المحكمة الدستورية من خلال استبدال تشكيلتها.

وارتباطا بالتجربة الطويلة مع الديكتاتورية، نص الدستور النافذ صراحة على عدم إعادة انتخاب الرئيس، لأكثر من دورة من أجل منع تركز سلطة دائمة بيده. ونص الدستور على أن بعض مواده غير قابلة للتغيير لأنها ذات طبيعة أساسية.  لقد تم تجاهل الدستور من قبل طاقم المحكمة الدستورية الجديد والمتكون من قضاة منتفعين من الرئيس.

والإصلاح الدستوري المقترح يتكون من 216 مادة، ومن حيث المبدأ، يمثل إعادة صياغة كاملة للدستور، لكي يفصل على مقاسات الرئيس.  وهذا سير فعلي نحو الديكتاتورية. والرئيس نفسه يمزح في تغريداته على التويتر، ويطلق على نفسه دكتاتور أروع بلد في العالم، يمزح دون ان يهتم لحساسية السكان من عهد الديكتاتورية العسكرية الطويل 1931- 1979. ويقول إنها ليست ديكتاتورية حقيقية لأن الناس لا يتعرضون للقمع بعنف. وهذه وجهة نظر لا يمكن الركون اليها، فهناك بالتأكيد سجناء سياسيون. بما في ذلك العديد من الموظفين السابقين في حكومة اليسار السابقة التي حكمت البلاد سنوات 2009 -2019. لقد اعتقلوا وانتهكت حقوقهم، دون مسوغات قانونية، وهذا أيضا يؤشر التوجه نحو دكتاتورية. وكذلك استخدم الجيش لقمع المحتجين في 17 تشرين الأول، وأقيمت حواجز للشرطة والجيش على الطرق في جميع أنحاء البلاد لمنع حافلات تقل المتظاهرين من الدخول إلى المدينة.

السياسة الاقتصادية

يتبنى الرئيس نموذجا ليبراليا جديدا.  وكما ذكر سابقًا، يستخدم المال العام للمساعدة في تحقيق مصالحه الاقتصادية الخاصة. ويعتمد آليات مغايرة لما كان سائدا في مرحلة الليبرالية الجديدة في السلفادور في التسعينات، حينها تمت خصخصة خدمات قطاع الدولة. اليوم الإجراء مختلف: يتم منح الشركات الخاصة تراخيص لتقديم خدمات عامة لفترة معينة من الوقت، مقابل تكلفة عالية. شركة الشحن الجوي مثال بارز على ذلك. واعتماد بيتكوين مثال آخر. لقد منحت شركة شيفو حقوق إدارة البورصة الافتراضية.  ويقف وراء هذ ه القرارات أشخاص مقربون من الرئيس، بضمنهم أخوته. لقد تم الكشف عن هذه الحقائق بواسطة تحقيقات استقصائية.

تم توظيف الوباء للإثراء الشخصي عبر عمليات الاستيراد، التي قامت بها شركات مملوكة لأعضاء الحكومة. قدم وزير الصحة البضائع والخدمات المستوردة إلى وزارة الصحة. وقامت وزيرة السياحة بتوفير الإقامة للسياح الذين يجب ان يعزلوا، عن طريق عائلتها. وتم استيراد المواد الغذائية الأساسية من المكسيك من قبل شركات غير مسجلة رسميا. واشتكى ديوان الرقابة من فقدان قرابة مليار دولار في الإنفاق لعام 2020. لقد وعد الرئيس في حملته الانتخابية عام 2019، بالابتعاد عن النموذج الليبرالي الجديد، وقدم نفسه كمرشح تقدمي، مستندا إلى تاريخه السابق في جبهة التحرر الوطني، التي طرد منها عام 2017، بسبب ممارسات تتعارض مع نهج الحزب. لكنه لم يلتزم بما قاله خلال الحملة الانتخابية.

الحد من الجرائم المنظمة

وعد الرئيس بالحد من الجرائم والعنف ووضع خطة لذلك فالخطة في المقام الأول أداة دعاية. يتم تسويقها على أنها نجاح كبير عبر الإشارة إلى انخفاض معدل جرائم القتل رسميا، لكن لا أحد يعرف ما يختفي وراء ذلك. لم يتم توضيح طابع الخطة، بحجة عدم كشف استراتيجية مكافحة العنف. ولكن ليس من الاستراتيجية بشيء، إذا ظل الناس يجهلون آليات تأمين النظام العام.

في سنوات حكم اليسار، كان هناك نهج تشاركي لمكافحة العنف، وتم اشراك المجموعات الاجتماعية. هذا أصبح شيئا من الماضي. ومن الضروري التعامل بحذر مع الأرقام الرسمية. صحيح أن عدد جرائم القتل قد انخفض. ولكن يجرى الصمت بشأن ارتفاع عديد المختفين، وفي معظم الحالات يتبين أنهم قتلى، هذا إذا أعلن عنهم أصلاً.

في هذا العام تم العثور في إحدى المناطق على مقبرة جماعية تضم عشرات الجثث، مما يلقي بظلاله على خطة السيطرة على المناطق. وثبت ان منتسبي شرطة سابقين متورطون في القتل. وسبق الإبلاغ عن اختفاء أشخاص دون أي رد فعل من السلطات. وإلى جانب المختفين، هناك جرائم قتل أخرى. تحاول الحكومة إخفاء هذه المشكلة. لكن جرائم العصابات ما زالت مستمرة، ووفق تقارير الإدارات المحلية. يُعتقد أن الحكومة تدفع للعصابات جزئياً مقابل إيقاف جرائمها، وعندما تخفق الحكومة في الوفاء بالتزاماتها، تعاود العصابات نشاطاتها، وتعمل على ابتزاز الحكومة. وهناك شركات تدفع أموالا شهرية للعصابات، مقابل حمايتها، وهذا الواقع مستمر.

استعادة الديمقراطية

يخوض حزب جبهة فارابوندو مارتي للتحرر الوطني نضالا مستمرا بالتعاون مع الحركات الاجتماعية، ومع كل المشاركين في الحركة الاحتجاجية، في سبيل استعادة المسار الديمقراطي الذي انطلق بعد اتفاقية السلام عام 1992، على الرغم من كل الصعوبات. هناك المزيد والمزيد من المجموعات تنضم إلى هذا النضال. ويمكن الاستفادة من التضامن الأممي، اعتمادا على القدرات الوطنية، بعيدا عن أي تدخل خارجي.

عرض مقالات: