اخر الاخبار

عجيب أمر الأفكار الغيبية التي تتحول فجأة إلى حقائق لا تقبل النقاش! حسب تصريحات وزير التعليم العالي الأخيرة، كليتا التميز والذكاء الاصطناعي في جامعة بغداد، اللتان استحدثتا حديثًا، ستتحولان بطريقة عجيبة وسحرية - ودون تخطيط أو موارد تذكر - إلى جامعة كاملة. 

هل حقًا نحن في زمن تحول فيه الكليات إلى جامعات عبر لمسة زر؟ وإذا كنا على هذا القدر من السحر، لماذا تفصل هاتان الكليتان عن الجامعة الأم بمشروع مستقبلي ولم تبدأ فيهما الدراسة بعد؟ يا لها من عبقرية إدارية تدرس في كتب التاريخ… أو على الأقل في قصص الدراما المأساوية! 

هذه ليست إلا أمثلة صارخة على التخبط الذي يعصف بالوزارة، حيث تختصر كل الإنجازات في حفلات إعلامية رخيصة وأحاديث ميكروفونية لا تكلّف الوزارة شيئًا سوى بعض الكلمات الفضفاضة التي لا تترتب عليها أي مسؤولية أو حساب. 

لماذا لا ننتقل من هذا التمويه الإعلامي إلى الحديث الجاد عن إنشاء جامعة حقيقية؟ جامعة ببناياتها ومختبراتها وأجهزتها وأساتذتها، وليس مجرد تلاعب بالأسماء واللافتات. لأن الحقيقة المؤلمة هي أن هذه الكليات ولدت من رحم الفراغ، من دون أي تخطيط حقيقي أو دراسة سوق عمل أو بنايات جديدة.

القرار؟ مجرد مزاج عابر ورغبة ضبابية تريد أن تخلق جامعة عبر اقتلاعها من جامعة بغداد، وكأن الأمر لا يتعدى لعبة تجميع قطع في حديقة أطفال! 

والأسئلة تتوالى: أين البنايات الجديدة التي تليق بهذا "التوسع الرائع"؟ أين المختبرات المتطورة؟ ما هي اختصاصات هذه الكلية؟ أم أن كل هذه "الإنجازات" جاءت على حساب ما هو موجود، باقتطاع أجزاء من مبانٍ قديمة وترحيل أثاث مهترئ في مسرحية ترقيع لا تجد لها نظيرًا إلا في قصص الفشل الإداري؟ 

أين المبررات الأكاديمية والعلمية التي تبرر لهذا الصرح المصطنع اسمه "التميز" أن يتفوق على بقية الكليات؟ أم أن الأمر كله مجرد استعراض لأسماء وأسلاك تربط أساتذة من أقسام أخرى، ثم تغليف الفكرة بشعار براق على لافتة توحي بالعظمة، في حين أن الواقع ما هو إلا فراغ تعليمي معاد تدويره؟ 

هل يعقل أن تتحول كلية مصطنعة إلى جامعة من الهواء؟ جامعة لا سند لها سوى اسم "التميز" الغريب الذي يراد به أن يبعث رسالة ضمنية لكل طلبة الطب والهندسة وغيرهم: أنكم ببساطة أقل تميزًا، وربما أغبياء لاختياركم التخصصات "العادية"، بينما هنا في "التميز" تخلق العبقرية! يا للمهزلة الكبرى.