اخر الاخبار

يُعدّ بحر النجف من أبرز المعالم الطبيعية والتاريخية في مدينة النجف بالعراق. وهو ليس بحرًا بالمعنى الحقيقي، بل منخفض طبيعي واسع كان يمتلئ بالمياه ويتحوّل إلى بحيرة أو مسطح مائي. وقد لعب هذا المنخفض دورًا مهمًا عبر العصور، سواء من الناحية الجغرافية أو الاقتصادية أو حتى الثقافية.

 

تسميات بحر النجف

عُرف بحر النجف بأسماء متعددة عبر التاريخ، منها:

1- "فرثا" عند الآراميين، وتعني "البثقة"، أي موضع انبثاق الماء.

2- "حاشير" عند اليهود، ويعني "مجموع المياه".

3- "بحيرة رومية" في عهد الإسكندر الأكبر.

4- "بحر بانقيا" في العصر الجاهلي.

كما أن تسمية "النجف" نفسها يُعتقد أنها مشتقة من اسم البحر، حيث كان يُطلق عليه "الني"، وعندما جفّ أصبح "الني جف"، ثم حُذفت الياء للتخفيف ليصبح "النجف".

 

أهميته التاريخية

كان بحر النجف في العصور القديمة يمثل ميناءً داخليًا مهمًا، حيث كانت السفن ترسو فيه لنقل البضائع من وإلى مناطق بعيدة مثل الهند والصين. وقد أشار المؤرخون إلى أن هذا الميناء كان يخدم مدينة الحيرة التاريخية. كما أن القنوات والأنهار التي كانت تصب فيه، مثل نهر الفرات، جعلته شريانًا حيويًا للمنطقة.

حاول العديد من الحكام عبر التاريخ الاستفادة من هذا المنخفض، ومنهم الإسكندر الأكبر الذي سعى إلى تجفيفه لإنشاء مشاريع زراعية، لكنه لم ينجح في ذلك بشكل كامل.

 

جفاف بحر النجف

مرّ بحر النجف بفترات من الجفاف والتجدد على مر العصور. ففي عهد المناذرة، كان المنخفض جافًا، ثم امتلأ بالمياه مرة أخرى في القرن الثالث عشر الميلادي عندما صبّ فيه نهر الحميدية. لكنه جفّ بشكل شبه كامل في أواخر القرن التاسع عشر (بين عامي 1822 و1887) بعد أن قام العثمانيون بسد المنافذ التي كانت تغذيه من نهر الفرات، فتحوّل إلى أرض زراعية وبساتين نخيل.

وبسبب شحة المياه في نهر الفرات عمومًا، والجداول التي تصب في منخفض بحر النجف خصوصًا، إلى جانب انحسار الأمطار والسيول في السنوات الأخيرة، قامت وزارة الري/ دائرة الآبار بمحاولة التحكم بالمياه الجوفية، حيث فرضت الحصول على موافقات مسبقة لحفر الآبار ومنعت حفر الآبار التدفقية للحد من هدر المياه الجوفية. ونتيجة لذلك أغلقت الدائرة الآبار التدفقية التي كان قد حفرها أصحاب البحيرات والفلاحون في العقود السابقة خلال فترات وفرة المياه. ومن الطبيعي بعد هذه الإجراءات أن تجف مياه المنخفض وتنحسر، الأمر الذي دفع مجلس المحافظة إلى الشروع بالتصويت لإحالة مساحة المنخفض إلى الاستثمار.

وقد أسفر التصويت عن انقسام بين مؤيد ومعارض، ولكل طرف أسبابه، ومنها:

1- أن هذا المنخفض المائي له أهمية تاريخية وبيئية.

2- يُعد نقطة استراحة للطيور المهاجرة.

3- يمكن استثماره سياحيًا واعتباره متنفسًا لأهالي النجف والمحافظات القريبة.

4- يساهم في التقليل من العواصف الترابية وزحف الكثبان الرملية ولو بنسبة محدودة.

لكن تظل هناك أسئلة مطروحة:

1- هل أُعدّت دراسة جدوى اقتصادية لهذا المشروع الاستثماري؟

2- هل وُضعت تصاميم تراعي التغير البيئي للمنطقة، وتتضمن اشتراط التشجير المكثف داخلها وإحاطتها بالأحزمة الخضراء من الخارج؟

3- هل تضمن المخطط إبقاء جزء من المساحة لتشييد بحيرة صناعية تستقطب الطيور المهاجرة وتكون معلمًا سياحيًا؟

4- هل أُخذ بالحسبان حماية المنطقة من السيول والأمطار عبر إنشاء سدود وخزانات لحصاد المياه بما يقلل من أضرارها ويُستفاد منها زراعيًا؟

5- هل جرى التفكير في معالجة تربة المنخفض من التلوث الملحي وغيره؟

وهناك الكثير من الأمور الأخرى التي قد لا تحضرني الآن.

رأيي المتواضع

أنا مع استثمار المنطقة، بشرط الأخذ بالحسبان جميع ما ذُكر أعلاه وفق دراسة جدوى بيئية واقتصادية، والقيام بكافة المعالجات قبل الشروع بأي استثمار عشوائي. والأهم أن تتم إحالة المشروع إلى تكتل شركات قادر على تلبية المتطلبات البيئية ومعالجة جميع الإشكاليات، إلى جانب توفير البنى التحتية اللازمة.