اخر الاخبار

لا يخفى على المتابع للشأن الزراعي في العراق أنّ الحلقة المركزية فيه تتمثل بتوفير المياه لاستمرار العملية الزراعية، إذ لا زراعة من دون ماء. ونظراً لجفاف النهرين نتيجة قطع دولتي الجوار (تركيا وإيران) لمصادر المياه عن نهري دجلة والفرات، إضافة إلى التغيرات المناخية القاسية، وارتفاع درجات الحرارة، وشح الأمطار، فضلاً عن الاستهلاك العالي للمياه سواء في الزراعة أو للاستخدام البشري، لم يتبقَّ من الخزين المائي في السدود والخزانات العراقية سوى نحو (8) مليارات متر مكعب، في حين أن العراق يحتاج إلى أضعاف هذا الرقم بثلاثة أو أربعة مرات.

وأمام هذا الواقع، اتجهت الحكومة ممثلةً بوزارتي الزراعة والموارد المائية، إلى جانب المواطنين، نحو استخدام المياه الجوفية. غير أن هذه الأخيرة تأثرت كثيراً بفعل الاستخدام المفرط وحفر الآبار العشوائية، إذ يقدَّر عدد الآبار المحفورة بأكثر من (100) ألف بئر، معظمها غير مجازة لأسباب عدة، أهمها تدخل أصحاب النفوذ أو عدم توفر المستمسكات الرسمية الخاصة بملكية الأراضي.

من جانب آخر، تستغل دول الجوار المياه الجوفية المشتركة بشكل مفرط أيضاً، حيث يشترك العراق معها في خزانين مائيين جوفيين هما: الدمام وأم الرضمة (وتحديداً مع السعودية والكويت). وقد قامت هاتان الدولتان بتطوير الزراعة في المناطق الحدودية اعتماداً على تلك المياه، إذ تنتج السعودية على سبيل المثال ثمانية ملايين طن من الحنطة باستخدام المياه الجوفية، إضافةً إلى إنشائها (522) سداً ومصائد مائية لحجز مياه الأمطار بطاقة تصل إلى (650) مليار غالون، أي ما يعادل (150) مليار متر مكعب. هذا الأمر أدى إلى انخفاض كبير في كميات المياه الجوفية العراقية التي لا تتجاوز (5) مليارات متر مكعب، ما تسبب بزيادة أعماق الآبار إلى نحو (300) متر أحياناً، فضلاً عن ارتفاع نسبة الملوحة فيها.

وللحفاظ على المياه الجوفية في العراق، يتطلب الأمر ما يلي:

  1. التفاوض مع دول الجوار بشأن الاستخدام الأمثل للمياه الجوفية المشتركة، مع توظيف جميع وسائل الضغط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.
  2. محاسبة جميع أصحاب الآبار غير المرخصة وفق القوانين النافذة.
  3. منع الزراعة في البوادي والصحارى العراقية، كونها مراعي طبيعية وفق قانون الرعي رقم (3) لسنة 2002، ومحاسبة المخالفين.
  4. الإسراع في إنشاء مخازن ومصائد مياه في المناطق الصحراوية المحاذية للسعودية والكويت، وكذلك على الحدود مع إيران، وذلك لحماية الأهوار من الجفاف، والحيلولة دون هجرة سكانها، وإنقاذ ثروتها الحيوانية من الهلاك.
  5. الاستفادة من تجربة المملكة العربية السعودية في تحلية مياه البحر، عبر إنشاء شبكة أنابيب رئيسية بطول (8700) كم، وفرعية بطول (128) ألف كم، وهي أطول شبكة لنقل المياه في العالم، بطاقة نقل تبلغ (732) مليار غالون، أي ما يعادل (183) مليار متر مكعب.
  6. معالجة مياه الصرف الصحي في عموم البلاد وخزنها في مخازن تحت الأرض.
  7. اعتماد تقنيات الري الحديثة، ومساعدة الفلاحين والمزارعين على اقتنائها عبر قروض ميسرة.
  8. التوسع في زراعة المحاصيل التي تتحمل الجفاف والملوحة ودرجات الحرارة العالية، والتي تحتاج إلى كميات قليلة من المياه.

ـــــــــــــــــــــــــ

*مهندس زراعي استشاري