خلال أيام الثقافة التي كانت تقيمها مؤسسة المدى الثقافية في أربيل تعرفت على الراحل كامل شياع، بتواضع جم قدم نفسه مبديا اعجابه بمواقفي وكتاباتي، وعلى طاولة طعام الفطور التي جمعتنا تحدثنا عن تطلعاتنا وعن أمنياتنا وخساراتنا، وبالهدوء الذي يملكه زادني يقينا بان القادم من الأيام سيشهد تطورا معرفيا وثقافيا متزامنا مع ضحالة سياسية وتردي اجتماعي، إلا انه كان متمسكا بالأمل.
أوضح لي ضرورة الحوار العقلاني بين جميع القوى السياسية، بعيدا عن التطرف والطائفية ونبذ العنف كليا، وجميعنا معنيون بالاهتمام بالسياسة الثقافية التي يتم الاستناد عليها في رسم معالم التوجه نحو التطبيق الديمقراطي والتعود على الإطار السلمي والديمقراطي للمجتمع، بعدها عرفت أن كامل شياع حاصل على البكالوريوس بالفلسفة من جامعة بغداد، ولما اضطرته سنوات الاضطهاد السياسي في زمن الدكتاتورية على مغادرة العراق، لجأ الى بلجيكا مستفيدا من وجودة لإكمال الماجستير في الفلسفة المعاصرة من جامعة لوفان في بلجيكا، ومن يتصفح ما ترك الراحل من دراسات ومقالات بهذا الخصوص في الثقافة النقدية والأدب والفن والفلسفة والترجمة، وبما عرف من غزارة الإنتاج ومساحة العقل التنويري التي يمتلكها، يدرك جيدا غزارة الفكر وعمق الحلول التي يجدها تنور طريق الثقافة باعتبارها الأساس في تغيير المجتمع، وتلمس أيضا تمسكه بمهمة التنوير التي يجدها تقع على عاتق الجميع، جسّد صورة المثقف الذي لا ينعزل في برج عاجي، بل ينخرط في الشأن العام. فكان كاتبًا، ناقدًا، وسياسيًا، لكنه لم يتخلَّ أبدًا عن إيمانه بأن الثقافة ركن أساسي في بناء الدولة المدنية الديمقراطية.
كامل شياع دون لقب او تحصيل علمي بعيدا عن وظيفته المتميزة كمستشار لوزير الثقافة، إلا أن عملية اغتياله الغادرة في العام 2008 شكلت فاجعة وطنية، وخسارة كبيرة لصوت عراقي وطني ونادر، فكان رحيله مثالًا على أن المثقف العراقي، مهما كان متواضعًا وسلميًا، يبقى هدفًا في مناخ يسوده التطرف والعنف. ويشكل اغتياله نقاشًا واسعًا حول مكانة المثقف في العراق الجديد، وهل هناك مساحة فعلية للفكر النقدي في ظل السلاح والطائفية، خسره العراق قبل ان يخسره الحزب الشيوعي العراقي وقبل ان تخسره عائلته الطيبة.
تحوّل اسم كامل شياع إلى رمز ثقافي وشهيد للثقافة العراقية، وصار اغتياله شاهدًا على أن الثقافة الحرة في العراق كانت ولا تزال مهددة، وأن التنوير يدفع ثمنًا باهظًا، ولذلك وجدت كامل شياع قدوة للمثقف الذي يجمع بين التواضع والعمق الفكري، وان اغتيال كامل شياع لم يطفئ أثره، بل جعله رمزًا خالدًا، وصارت ذكراه مرتبطة دومًا بفكرة أن الثقافة التنويرية قادرة على البقاء حتى في أحلك الظروف.