لا احد يختلف مع الحكومة في توجهها نحو التوجه الى "بغداد اجمل". الجمال.. سمة ثقافية بناءة قائمة على ذائقة راقية ووعي يؤسس لبناء هذه الذائقة، ويعمل عليها في مسيرة الانسان نحو الحاضر والمستقبل. وما الدراسات الانسانية وكليات ومعاهد الفنون ووزارة الثقافة وكل المنظمات المدنية والنقابية والاتحادات.. الا وكانت تعمل على ترسيخ النظام على وفق اسس منطقية وجمالية مقبولة من قبل المجتمع.
الجمال.. مناقض للفوضى وللعشوائيات، مناقض تماماً لتحويل كل الاراضي الزراعية الى كتل كونكريتية، مناقض لتحويل المتنزهات – على قلتها – الى مولات وعمارات، مناقض للعمليات التي تعمد الى قطع الاشجار المعمرة وجعلها وقوداً لشواء الاسماك واعداد الطعام، مناقض لهذه الحفريات التي تمتلئ بها شوارع بغداد، مناقض لمداخل العاصمة التي لا تستقبل القادمين اليها الا بالجفاف وغياب النخيل الذي كان ابرز سمات بغداد.
الجمال.. مناقض كذلك لهذه الفوضى في الدوائر التي ليس بإمكانها طلاء جدرانها وتنظيف حماماتها وجمالية التخاطب مع المواطنين باسلوب حضاري بعيداً عن التعقيدات الادارية التي لا يمكن حلها الا بالرشا.
الجمال مطلوب في شوارع واسواق بغداد، لكن الامر يتطلب تثقيف المواطن اولاً الى ان نظافة شارعه ومكتبه وحيه، لا يقل اهمية عن نظافة ملابسه وبيته..
ولكي تشترك الحكومة مع المواطن في الوصول الى (بغداد اجمل)، بدلاً من هذه الفوضى السائدة في شوارعها واسواقها واحيائها، لا بد من اتخاذ سلسلة اجراءات تسبق أي اجراء سريع يتعلق بإزالة التجاوزات والبناء العشوائي. الامر يتطلب معرفة الاسباب التي ادت الى هذا الحال من الفوضى، ومن ثم معالجة هذه الاسباب بعملية ودقة.
لقد كانت البطالة في مقدمة هذه الفوضى، فيما الانسان بطبعه لا بد ان يعمل لتدبير قوت يومه، ومن هنا وجدنا اسواقاً عشوائية وبيوتاً تُبنى على ارض زراعية و (كراجات) تستثمر قسراً وتفرض على المواطن.
البطالة ام واب الخراب والفوضى والعشوائيات. من هنا.. يفترض ان تعمل الحكومة على ايجاد سبل للعمل، وليس بإيجاد وظائف حكومية لأن مثل هذا الاجراء غير معقول وغير قابل للإنجاز ولا يمكن ان يكون كل الشعب العراقي يعمل افرده موظفين، وانما العمل على استصلاح الاراضي وزراعتها وعلى تشيد المصانع وفتح ورشات عمل مختلفة وفي قطاعات متعددة. الى جانب بناء مجمعات سكنية رخيصة كما فعل الشهيد عبد الكريم قاسم عندما انشأ مدينة الثورة- الصدر حالياً. وباتت مأوى دائم لكل الطبقة الاجتماعية المسحوقة لقاء اثمان متواضعة جداً يتمكن السكان من تسديد اثمانها بالتقسيط. وعلى مستوى الباعة والاسواق العشوائية ليس من الصعب بناء اسواق منظمة قريبة الى الاحياء والسكن وتأجيرها الى الباعة لقاء اجور بسيطة.
ان المواطن لا يريد ان يعيش هامشيا وغير مستقر، بل انه يسعى سعياً حثيثاً لِأن يكون له محل سكناه ومحل عمله واستقرار حياته عندما يطمئن الى ضمان معيشته.
من هنا نرى انه لا يمكن ان نحقق (بغداد اجمل) ما دمنا لا نحيا بطرق سليمة وايجاد حلول تتقدم على هذه الاجراءات التعسفية التي ألحقت الاذى بحياة العوائل العراقية التي بالكاد تسد رمقها الا عن طريق هذه السبل في العيش العشوائي الذي لم تسعى الحكومة الى تنظيمه من قبل.. وانما تريد ان تسدد اقسى العقوبات ومحاربة الناس في ارزاقهم بدلا من وضع حلول مسبقة لمعيشتهم.