اخر الاخبار

بدأت ملامح المدرسة القانونية النقدية بالظهور في أواخر ستينيات القرن الماضي وغطى نشاطها في مرحلة الذروة في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن المذكور وحظيت بالاهتمام من الجامعات الكبرى في الولايات المتحدة الامريكية وعلى وجه الخصوص جامعة هارفرد، اذ يتكأ الآباء المؤسسون لهذه المدرسة على الفكر الماركسي ومدرسة فرانكفورت وطرح فكرها لمرحلة  ما بعد البنيوية والتفكيكية، لذا عدت طروحاتها ردا على المفاهيم والأفكار التي تضمنتها المدارس القانونية التي سبقتها والتي تلونت بلون أزمتنها وهي : مدرسة القانون الطبيعي، المدرسة القانونية الوضعية، المدرسة القانونية الشكلية (النصية) والمدرسة القانونية الواقعية، والاخيرة لها الهيمنة على الفلسفة القانونية الامريكية. لليسار الامريكي ومدرسته القانونية النقدية موقف معين تجاه كل واحدة من المدارس تلك شكل رؤيتها للقانون باعتباره اداة للهندسة الاجتماعية.

فمدرسة القانون الطبيعي المدرسة الأقدم في الحضارة اليونانية - تنسب مصادرها القواعد القانونية إلى الطبيعة وهي بذلك تخرج الانسان من مصادرها لكون فلسفتها تتوافق مع الفلسفة الدينية، اذ قال عنها الفيلسوف الانجليزي (وليام بلاكستون 1723 – 1780): (الانسان بوصفه مخلوقا عليه أن يلتزم بالقوانين التي وضعها خالقه اذ تسمو قواعده على أي التزام آخر.. فالقانون الطبيعي ملزم للبشر كافة في كل زمان ومكان ولا مشروعية للقوانين التي يضعها الانسان عند التعارض)، يلاحظ أن أفكارها لا تزال عالقة في تفكير البعض إلى يومنا هذا. وجهت نقدا إلى هذه المدرسة لاعتمادها التوسع لمفاهيم الاخلاق بشكلها المطلق مما جعلها لا تتوخى الوضوح او الدقة لطرح تلك المفاهيم خاصة وان القانون في احيان عدة لا يتوافق مع أحكام ازلية لارتباطه بأحكام العدالة والمصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتغيرة فضلا عن كونها تبرر استخدام الهيمنة والقسر.

المدرسة الوضعية القانونية –  انتشرت هذه المدرسة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر اذ تملك هذه القوانين مشروعيتها من سيادة الدولة التي وضعتها وأن كانت غير عادلة او فاقدة للأساس الاخلاقي للقانون ومن أهم مفكريها (جيرمي بنتام – 1784- 1832) و(جون اوستن – 1911 – 1960) واعتبرت القانون انعكاسا للوضع السياسي، لذا تخالف نظام السوابق القضائية (القانون العام) فهي تسعى إلى وجود علم قانون مستقل ينزع نحو حماية حقوق الملكية الخاصة وحرية التعاقد وسمو المصلحة الخاصة على المصلحة العامة. هذه المدرسة واجهت نقدا حادا من اليسار الأمريكي لعدم وجود قانون مستقل وهي تضفي الشرعية على الانظمة السياسية القائمة مهما كانت ظالمة وترسخ التفاوت الطبقي وهي اداة للهيمنة الاقتصادية كونها اداة بيد السلطة الحاكمة.

 اما المدرسة الشكلية (النصية) فهي امتداد للمدرسة الوضعية وبموجبها يكون القاضي مقيدا بشكل صارم بالنص القانوني ويسبب الحكم بعيدا عن الأسباب الاجتماعية او الأخلاقية او السياسية ويطبق القانون بشكل ميكانيكي بعيدا عن الاجتهاد وبعيدا عن روح القوانين وعندهم: (لا اجتهاد في مورد النص) وقال فيها جون جراي (1839 – 1915) إن القانون لا يعد قانونا الا في حالة تطبيقه. وجه اليسار الأمريكي انتقاداته لأنها ذات توجه محافظ متواطئ مع أصحاب المال فضلا عن فشلها في ادخال العلوم الاجتماعية كما كانت تدعي. وأنها أداة بيد الفئات الحاكمة وتستخدم لحماية المصالح الرأسمالية والطبقة الغنية ومتواطئة معها وان ما تسنه من تشريعات لا يدخل في نطاق العدالة الاجتماعية.

 المدرسة الواقعية القانونية – ظهرت في الولايات المتحدة الامريكية في بواكير القرن الماضي اذ ترفض الحياد المطلق للقانون وان الاحكام القضائية تصدر ضمن الخلفية الاجتماعية والسياسية وحتى الشخصية للقاضي، لذا فهي تولى القضاة اهتماما خاصا كما انها على خلاف مع المدرسة النصية اذ تطلب الاستفادة من العلوم الاجتماعية وسواها من العلوم الاخرى وانهاء حالة العزلة التي رسمتها المدرسة النصية كما انها تولي اهتماما ملموسا بتسبيب الاحكام القضائية لكي تقف على افكار ومؤهلات وقناعات القضاة للوقوف على مدى الدور الارشادي الذي يرسمه النص القانوني للقضاة. ورغم أن هذه المدرسة تعتبر متقدمة لما سبقها من مدارس إلا أن اليسار الأمريكي وجدها تكتفي بالوصف وتهمل الجانب النقدي لهيمنة السلطة وركزت على الجانب القضائي وتحيزاته دون اعتبار للجوانب القانونية الأخرى فالقانون ليس مجرد ما يحكم به القضاة بل أن ثمة قواعد قانونية تعيد انتاج العنصرية والرأسمالية والتمييز.

بعد قراءة الافكار والمفاهيم للمدارس القانونية المتقدمة وجدت المدرسة القانونية النقدية ان القانون غير محايد بل هو اداة للماسكين للسلطة، وان النصوص القانونية تحتمل قراءات مختلفة مما يفسر صدور أحكام مختلفة للواقعة المعينة التي يصدرها القضاة وان تساوت المراكز القانونية لأطراف الدعوى، وان الكثير من القوانين يكرس الظلم ويستمر فيه بالتذرع بأحكام المشروعية. وفضلا عن ان العديد من القوانين تستخدم لفرض الهيمنة وليس لتحقيق العدالة لما تقدم فقد جاءت المدرسة القانونية النقدية كرد فعل لما سبقها من المدارس وطرح رؤى وتسعى للتصدي لموضوع حياد القانون لكونه غير مستقل عن السياسة او انه منفصل عن الواقع وان لا يكون سببا للهيمنة ويجب ان لا يكون اداة للتحرير ولا للقمع بل اداة للمساواة والعدالة.