اخر الاخبار

مقدمة:

تناول حنا بطاطو في مؤلفه الموسوعي "العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية" مختلف أوجه النشاط السياسي والتنظيمي للحزب الشيوعي العراقي، ومنها الدور المحوري للصحافة الحزبية كأداة للتعبئة والتنظيم والتثقيف السياسي. رغم أنه لم يفرد فصلاً خاصًا للصحافة، فإن تحليله المتناثر عبر الفصول يقدّم فهمًا عميقًا لوظيفتها في سياق الصراع الطبقي والسياسي في العراق خلال القرن العشرين.

أولاً: السياق السياسي لنشوء الصحافة الشيوعية

يُبرز بطاطو أن نشوء الصحافة الشيوعية جاء في ظل بيئة سياسية قمعية، يتسم فيها الفضاء الإعلامي بالرقابة والاحتكار من قبل الدولة الملكية ثم الحكومات الجمهورية لاحقًا. لذا، فقد تطورت الصحافة الشيوعية كجزء من النشاط السري والمقاوم، لا بوصفها وسيلة إعلامية تقليدية، بل كأداة حزبية محضة.

وقد صدرت أولى الصحف الشيوعية السرية مثل "كفاح الشعب" في ثلاثينات القرن العشرين.

ولاحقًا، أصبحت "القاعدة" (1942) الصحيفة المركزية للحزب، ثم جاءت "اتحاد الشعب" بعد ثورة 1958 كصحيفة علنية مؤقتة.

ثانيًا: الوظائف السياسية والتنظيمية للصحافة الحزبية

يرى بطاطو أن الصحافة الشيوعية العراقية لم تكن مجرد وسيلة لنشر الأخبار أو البيانات، بل كانت أداة سياسية مركزية داخل الحزب، تمارس ثلاث وظائف رئيسية:

  1. التثقيف الأيديولوجي:

الصحف كانت منصّة لتعليم المبادئ الماركسية-اللينينية، وتحليل الوضع السياسي من منظور طبقي، خاصة في ظل غياب مؤسسات تعليمية مستقلة للكوادر الحزبية.

  1. الربط التنظيمي بين القواعد والقيادة:

لعبت الصحف دورًا في نقل التوجيهات من القيادة إلى القواعد، كما ساهمت في توحيد الرؤية السياسية داخل حزبٍ يعمل في ظروف من السرّية والتجزئة التنظيمية.

  1. الدعاية والتحريض الجماهيري:

استخدمت الصحافة في حشد الجماهير للانتفاضات والإضرابات، خصوصًا بين صفوف العمّال والطلبة، وعملت على فضح السياسات الطبقية للنظام والدعوة إلى الثورة الاجتماعية.

ثالثًا: اللغة والأسلوب الإعلامي

يوضح بطاطو أن لغة الصحافة الشيوعية كانت تتسم بطابع تعبوي مباشر، يغلب عليه الخطاب الطبقي الصريح، مع استخدام شعارات راديكالية. حيث ركّزت المقالات على الصراع بين البرجوازية والبروليتاريا.

وغابت فيها اللغة المحايدة، وحضرت محلّها لغة الكفاح والنضال.

وكانت المقالات قصيرة نسبيًا، موجهة للقراء من الطبقات الكادحة، وتركّز على قضايا يومية مثل الأجور والقمع والبطالة والعدالة الاجتماعية وغيرها.

رابعاً: التحديات التي واجهت الصحافة الشيوعية

تُظهر تحليلات بطاطو كيف أن الصحافة الشيوعية واجهت تحديات بنيوية متعددة، منها:

القمع والملاحقة الأمنية:

فالطباعة والتوزيع كانا يتمّان سرًّا في ظل رقابة صارمة، وغالبًا ما كان يُعتقل العاملون في التحرير أو يُنفَون.

ضعف الموارد التقنية والمالية:

الطباعة كانت بدائية، والمحتوى يُنتج بأدوات محدودة.

صعوبة الوصول إلى الجمهور الريفي:

رغم انتشار الصحف في المدن، لم تصل بشكل فعال إلى الأرياف، بسبب الأمية، والفقر، وصعوبة النقل، ما أثّر على شمولية التأثير السياسي للحزب.

خامساً: التجربة العلنية القصيرة – جريدة "اتحاد الشعب" (1959–1960)

بعد ثورة 14 تموز 1958، حصل الحزب الشيوعي على ترخيص لإصدار صحيفة علنية هي اتحاد الشعب. يعتبر بطاطو أن هذه المرحلة كانت تجربة استثنائية من الانفتاح الإعلامي المؤقت.، حيث شهدت الصحيفة رواجًا وانتشارًا واسعًا، وكانت تطبع بعشرات الآلاف، ومثلت قفزة في الأداء الإعلامي للحزب، لكنها اصطدمت سريعًا برفض عبد الكريم قاسم لإعطاء الحزب مساحة سياسية مفتوحة.

أغلقت الصحيفة في بداية الستينيات، في إطار الصراع بين القوميين واليساريين.

خاتمة:

وفقاً لبطاطو، لم تكن الصحافة الشيوعية في العراق وسيلة إعلامية فحسب، بل كانت امتدادًا عضويًا للوظيفة السياسية الثورية للحزب. لقد شكّلت أداة لبناء الوعي الطبقي، وللتنظيم الحزبي، وللتعبير عن الهوية الأيديولوجية في ظل القمع. وبينما أثبتت فعاليتها في بعض المراحل، ظلت محدودة جغرافيًا وتنظيميًا، وعرضة دائمة للقمع والإغلاق.