اخر الاخبار

أنصار الفوج الأول في قاطع بهدينان، في عام 1987، رغم كل الظروف الصعبة والقاسية، قرروا ان يكون احتفالهم بعيد الحزب متميزا، فقرروا تنظيم (يوم احتفالي) في يوم 31 اذار، من أبرز فقراته، كانت تجربة الإذاعة الداخلية. تجربة إذاعية لنهار واحد. حيث كان البث لمديات قصيرة، أغلب مستمعي الإذاعة هم بعض سكان القرى المجاورة الذين تم ابلاغهم، وأيضا أنصار الفوج الأول الذين راحوا يستمعون إلى الإذاعة بشغف. ربما هي الإذاعة الوحيدة في العالم، التي كان مستمعيها يستطيعون الإطلال على الاستديو، ويمكنهم إيصال ملاحظاتهم مباشرة إلى العاملين داخل استديو البث. حين ولدت فكرة الإذاعة، قدمت الاقتراح وناقشت التفاصيل في اجتماع مع أعضاء مكتب الإعلام للفوج، الرفاق النصير الشاعر أبو رعد (كامل الركابي) والنصير الشاعر أبو طالب (عبد القادر البصري) والفنان التشكيلي والنحات النصير الشهيد أبو آيار (فؤاد يلدا). تم اختيار عيادة المستشفى، التي تطوع النصير الدكتور باسل (إحسان المالح)، لمنحها لمجموعة العمل لتكون أستوديو الإذاعة، وهناك قام النصير كريم مخابرة (نصرت كريم) والنصيرة بلقيس (هند وصفي طاهر)، من جماعة اللاسلكي، وبتفان بتشغيل جهاز البث اللاسلكي، ونصبوه على موجة يمكن من خلالها البث ويمكن التقاط بثها في محيط وادي مراني، في حدود القرى القريبة المحيطة بالمقر. كان يساعد جماعة اللاسلكي النصير الشهيد روبرت (خليل إبراهيم أوراها)، الذي عمل كهربائيا ومهندسا للصوت، وتم ربط المكيرفونات بجهاز البث وبسماعات الصوت التي تم توزيعها في جوانب الوادي، ووضعنا سماعة عند الساحة في وسط الوادي بين قاعة نوم الأنصار الصغيرة ومخبز لجنة إقليم كردستان، حيث تظللها بكثافة أشجار الجوز العملاقة فلا يمكن للطيران رؤية ما يجري تحتها، ووضعنا السماعة الثانية عند الساحة أمام قاعة نوم الأنصار الكبيرة. بدأنا البث حوالي العاشرة صباحا وانتهى حوالي الخامسة مساء. وكان من الضرورة أن يكون بثنا حذرا من تسريب اي معلومات تشير إلى اليوم الاحتفالي حيث يمكن للعدو الاستفادة منها، في حال تنصته على بثنا بشكل ما. حلت مشكلة تشغيل مولد الكهرباء وتوفير البنزين الكافي، وكانت عائقا جديا، بقرار من مكتب قيادة الفوج، وحصلنا على كهرباء تكفي لتشغيل الإذاعة وأجهزتها خلال الوقت الكافي. واستطعنا تدبير جهازي تسجيل لتشغيل وبث الاغاني والموسيقى، يعود الأول لأحد عوائل الأنصار، والثاني يعود إلى مكتب التحقيق تم استعارته عبر مكتب الإعلام، مع التعهد بتعويضه في حال حصول اي عطب او خلل فيها. مهندس الصوت، المشرف على الموسيقى والأغاني، النصير الشهيد روبرت، راح يعمل بحيوية، وكأنه في ستوديو إذاعة محترفة، رتب الاشرطة الموسيقية جيدا، ولم ينس ان يهيأ محطة F M من الراديو لتكون جاهزة لنستعير منها موسيقى مناسبة عند الحاجة اثناء البث.

ـ هنا إذاعة مه راني، صوت أنصار الفوج الأول للحزب الشيوعي العراقي!

دوى الصوت في جنبات الوادي وأعددنا برامج منوعة. كنت أقدم الفقرات بين البرامج، وأقرأ نشرات إخبارية موجزة عن أهم الاحداث العالمية ونشاطات الأنصار، تعليقات سياسية، بيانات لقيادة الحزب، إضافة إلى نشرة عن أحوال القرى المجاورة، بما فيها بعض أخبار الزواج. ساعدني بتقديم بعض الفقرات باللغة الكردية النصير أكرم. بين الفقرات كنا نضع موسيقى راقصة، ودبكات منوعة، على أنغامها كان الأنصار ينظمون حلقات الرقص بمختلف انواع الدبكات في ساحات المقر، وخلال ذلك كان فريق الإذاعة يقوم بأعداد الفقرات التالية او تناول طعامهم او استفتاء الأنصار عن سير فقرات برنامج البث. قدم فريق العمل عدة برامج، وكل برنامج كان مكونا من عدة حلقات، وكانت حلقات البرامج تتناوب فيما بينها، وحرصنا على اختيار فواصل موسيقية متميزة بذلنا جهدا في فرزها من أجل مساعدة المستمعين لتمييز البرامج. من أرشيف مكتب الإعلام الصوتي وللآسف الذي اضطر الأنصار لإتلافه خلال حملات الانفال وبعد البحث فيه، قدمنا تسجيلات نادرة ومؤثرة بأصوات العديد من الأنصار الشهداء، او تسجيلات بأصوات بعض الأنصار اللذين لا زالوا احياء، ولكن تمت مفاجأتهم بتقديم ذلك، اذ استطعنا تقديم أحاديث ذكريات عن معارك وأحداث وطرائف او أغان. في أثناء تقديم فقرات هذا البرنامج، حدث ان قلت:

ـ ومن بين " ركام" اشرطة الارشيف نختار لكم الآن ...

وجاءتني النصيرة أم أمجد، إلى الاستوديو، تحتج على استخدام كلمة "ركام" فاعتذرنا فورا لها وللمستمعين وصححنا الكلمة. وفي الفواصل بين فقرات هذا البرنامج الذي أسميناه (من الذاكرة) قدمنا أغاني ثورية ووطنية كردية وعربية وآشورية، وغالبا ما كانت تكون حسب طلبات مباشرة من الأنصار، اذ يطل النصير كفاح كنجي برأسه في الاستديو ويناولنا كاسيت ويقول بصيغة هي أقرب إلى الأمر منها إلى الرجاء:

ـ بلا زحمة ممكن نسمع ناصر رزازي!

ومن أبرز برامج إذاعة مراني، التي حظيت بمتابعة الأنصار، هو برنامج (في مواقع العمل) الذي قدمه النصير أبو بسام (الفنان ستار عناد)، واعددناه وفق فكرة بسيطة، حيث نسجل لقاءات مباشرة مع الأنصار، المكلفين ذاك اليوم بمهام، تجعلهم بعيدا عن المشاركة الفعلية، في الدبكات والرقصات وتفاصيل أجواء الفرح، حيث التقينا الأنصار المكلفين بحماية المقر عند موقع الاسناد، عند موقع الدوشكا في مدخل الوادي، الخبازين، العاملين في المطبخ، الطبابة والحراسات وهكذا، وسؤالهم عن مشاعرهم وامنياتهم واختيارهم لأغنية معينة يرغبون بسماعها ويتم اهداؤها عبر الإذاعة لمن يرغبون، وكنا مسبقا أعددنا مجموعة قائمة بمجموعة أغان لهذا الغرض.

وإلى جانب ما تقدم قام فريق العمل في الإذاعة بأجراء لقاءات حية على الهواء مع أغلب الأنصار المبدعين من الفنانين والشعراء والكتاب، وذلك في فقرات برنامج (معنا في الاستديو)، حيث تم اللقاء مع الفنان النصير أبو بسام للحديث عن معرض الرسوم الكاريكاتيرية، ولقاء مع النصير الشاعر أبو طالب للحديث عن تجربته الإبداعية في الشعر وليقرأ بعضا من نصوصه، والنصير الشهيد الفنان أبو آيار للحديث عن أفكار معرضه القادم، والنصير الشاعر أبو رعد، الذي نجحنا ان نحقق معه سبقا صحفيا تقدمنا فيه على إذاعة الحزب المركزية، حيث حضر إلى ستوديو الإذاعة، وقرأ لنا مباشرة قصيدته الشهيرة (شيوعيين)، وبعد ساعتين حين انتقلنا إلى بث خارجي، استمعنا عبر إذاعة الحزب (صوت الشعب العراقي) إلى نفس القصيدة ولكن مسجلة بصوت الشاعر!