اخر الاخبار

في مجتمعاتنا الحديثة، تتردد شعارات العدالة والمساواة في المحافل الرسمية، لكن واقع المرأة يكشف عن معادلة مختلة تتكئ على منظومة قانونية تخدم مصالح طبقية محددة، وتكرس اضطهاد المرأة تحت مسميات "الخصوصية الثقافية" أو "الاستقرار الأسري".

 ومن هذا المنطلق، تطرح النظرية الماركسية قراءة تحليلية مختلفة، تعتبر أن القوانين المجحفة بحق النساء ليست مجرد أخطاء قانونية أو مخلفات ثقافية، بل أدوات في يد الطبقة المسيطرة لضمان استمرار الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية.

القانون والمرأة: شكل قانوني لجوهر طبقي

من منظور ماركسي، لا يمكن النظر إلى القانون بوصفه حياديا أو فوق الصراع الطبقي. فالقوانين تصاغ وتطبق من قبل الدولة، التي هي، بحسب ماركس، " ليست سوى هيئة تدير المصالح المشتركة للطبقة البرجوازية باسرها". وهذا يعني أن كل نظام قانوني هو انعكاس مباشر للبنية الاقتصادية السائدة، ويهدف إلى حماية النظام القائم، لا تغييره.

وفيما يخص المرأة، نجد أن القوانين في كثير من الدول – ومنها العراق – ما زالت تتضمن مواد تعزز تبعية المرأة، مثل السماح بتأديب الزوجة (كما في المادة 41 من قانون العقوبات العراقي)، أو جعل الطاعة الزوجية شرطا للنفقة، أو تقييد حرية المرأة في العمل والتنقل دون موافقة الرجل. هذه القوانين لا يمكن فصلها عن مصالح الطبقات المالكة التي تسعى إلى الحفاظ على مؤسسة تعيد إنتاج اليد العاملة وتضمن الطاعة الاجتماعية.

المرأة كقوة عمل مهمشة

يرى ماركس وإنجلز أن المرأة في ظل النظام الرأسمالي تعامل بوصفها قوة عمل رخيصة. فهي تعمل في المنزل دون أجر، وتستغل في سوق العمل بأجور أقل وساعات أطول، دون حماية حقيقية. إن التشريعات التي تمنح المرأة إجازة أمومة محدودة، أو تحرمها من ضمانات اجتماعية عادلة، ليست فقط انتهاكا لحقوقها، بل تعبير عن رؤية رأسمالية ترى في المرأة كائنا "ثانويا" في الإنتاج.

إن هذا التهميش القانوني للمرأة ليس عرضا، بل ضرورة بالنسبة للرأسمالية، لأن بقاء النساء في مواقع هشة يسمح بتوفير جيش احتياطي من العمال المستعدين للعمل بأجور زهيدة. كما أن تكريس الصورة النمطية للمرأة بوصفها زوجة وأم فقط، يخدم النظام القائم عبر إبقاء النساء خارج ميادين التنظيم السياسي والنقابي.

القوانين والأسرة: تحالف الهيمنة الأبوية والرأسمالية

في كتاب "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"، يبيّن إنجلز كيف أن الأسرة الأبوية وجدت لتضمن انتقال الملكية من الأب إلى الأبناء، ما يعني أن المرأة وضعت في موقع الخضوع القانوني والاجتماعي للحفاظ على نقاء "السلالة" وضمان توريث الثروة داخل الطبقة. هذا التحليل لا يزال صالحا حتى اليوم، حيث تتحالف القوانين مع الثقافة الذكورية لتجعل من المرأة "وصية على الشرف" لا شريكة في الحقوق.

إن تشريعات الحضانة، الطلاق، والإرث، في معظم المجتمعات، تُبقي المرأة تحت رحمة الرجل، وتكرس مفاهيم التفوق الذكوري كجزء من بنية الدولة. فحين تنتزع الحضانة من الأم لمجرد زواجها مجددا، أو تمنع من السفر بأطفالها، فإن القانون لا يدافع عن "مصلحة الطفل"، بل عن الهيكل الأبوي الذي يرى المرأة غير قادرة على الاستقلال. ولهذا، فإن النضال من أجل حقوق النساء لا يمكن فصله عن النضال ضد الرأسمالية ذاتها. فكل إصلاح قانوني يعزز مساواة النساء ويكسر احتكار الذكور للسلطة الاجتماعية هو تهديد مباشر للنظام الرأسمالي القائم على اللامساواة. كما أن المساواة الحقيقية لن تتحقق عبر قرارات فردية أو شعارات معزولة، بل من خلال ثورة شاملة تعيد توزيع الثروة والسلطة، وتضع الإنسان – رجلا كان أو امرأة – في مركز الحياة، لا على هامشها. إن معركة المرأة من أجل قانون عادل ليست معركة نسوية فقط، بل معركة طبقية بامتياز.