اخر الاخبار

حظي الإعلام في حركة الأنصار الشيوعيين العراقيين ويحظى في الوقت الحاضر باهتمام الباحثين والمختصين بالشؤون الإعلامية في حركات المقاومة المسلحة للأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية. تلك الأنظمة التي لم تألوا جهداً بمصادرة حق الانسان في التعبير عن آرائه بحرية، والإيغال في قمع الاصوات المنتقدة لسياساتها الهوجاء، وتسارع أجهزتها الأمنية إلى اعتقال واغتيال كل من يبدي معارضة لنهج حكمها او يشك في احتمال ان يبدي معارضة لها.

لقد تم منع الحزب الشيوعي العراقي بعد انهيار "الجبهة الوطنية والقومية التقدمية" من مواصلة اصدار صحيفته المركزية "طريق الشعب" في نيسان عام 1979 بقرار جائر من وزارة الإعلام البعثية، وفرض حصار أمني غير معلن على مقري هيئة تحرير الجريدة ومطبعتها، واعتقال كل من يدخل ويخرج منهما. مما اضطر الحزب إلى إيقاف إصدار كل صحافته العلنية: جريدة "الفكر الجديد/ بيري نوي" الاسبوعية باللغتين العربية والكوردية ومجلته الشهرية "الثقافة الجديدة"، وإغلاق مكتبة "الطريق" في العاصمة بغداد.

لم يكن أمام الشيوعيين العراقيين سوى اللجوء إلى الجبل والعمل تحت الارض، حفاظاً على أرواحهم وعلى كيانهم التنظيمي المستهدف بقوة من جلاوزة اجهزة الدكتاتورية الصدامية الصاعدة في أواسط عام 1979. وقد سارعت قيادة الحزب الشيوعي العراقي إلى اتخاذ قرار بـاعتماد الكفاح المسلح، بصيغة حركة الأنصار بدءاً من كوردستان، أسلوباً رئيسياً في الكفاح السياسي، من أجل العودة والدفاع عن وجوده، وإعادة بناء منظمات الحزب في كل أنحاء البلاد. كان على بينة من أنه يتناسق، ويترابط بلا انفكاك، مع أساليب ووسائل كفاحية أخرى لها نفس الأهمية، في إطار النضال الشامل وضمن وسائل العمل الثوري لبلوغ الأهداف المرحلية والاستراتيجية (1). وهكذا أقر الحزب سياسته الجديدة "من الجبهة إلى الجبل"، وبدأ الحزب ينادي بإسقاط سلطة البعث الفاشي في أول اجتماع للجنة المركزية في تموز 1979 بعد القمع الوحشي وتزايد الحملات الإرهابية ووضع الحزب في عنق الزجاجة، ورفع شعار "في سبيل إنهاء الدكتاتورية وإقامة البديل الديمقراطي". وعلى ضوء اتخاذ هذا القرار تم التوجه إلى المناطق الجبلية في كوردستان لتكوين قواعد ومقرات لتجميع الأنصار والبدء في عملية النضال ضد النظام الدكتاتوري وأعوانه وبالتعاون مع القوى العراقية المتواجدة في الجبل.

باشر الرفاق الإعلاميون تحت اشراف أعضاء من المكتب السياسي للحزب بتشكيل هيئات ومكاتب للإعلام والعمل الصحفي والثقافي، في كل مقرات القواطع (بهدينان، أربيل، السليمانية وكركوك)، ولكل مفرزة ووحدة من الوحدات الأنصارية في ربوع كوردستان العراق والمناطق المجاورة لها. وشهدت الفترات الأولى إصدار العديد من "المجلات الدفترية" بأقلام الأنصار وباستخدام الدفاتر المدرسية العادية، التي تحولت إلى مجلات عامرة بمختلف المواد الصحفية والثقافية، مقابلات، تحقيقات، رسوم وكاركتيرات وذكريات وقصص وأشعار وخواطر، ومن تلك المجلات:"النصير الثقافي"، "الشراع"، "الجبل الابيض"، "4 اكتوبر" - وهو تأريخ تأسيس القاعدة الأنصارية في قاطع بهدينان (الموصل ودهوك) عام 1979.

وأولت قيادة الحزب اهتماماً استثنائياً بمعاودة إصدار جريدة" طريق الشعب" السرية من داخل الوطن، بعد أن باشرت صدورها في الخارج بتاريخ 4/10/1979 بحجم صغير وبأربع صفحات. واستمرت بالفعل مواصلة الصدور من كوردستان حتى سقوط النظام الدكتاتوري في 9/4/2003، وكانت أول صحيفة توزع بشكل علني في شوارع العاصمة بغداد. ولا زالت الجريدة مستمرة بالصدور ورقياً والكترونياً.

كما أعيد في الفترة الأنصارية إصدار نشرة " مناضل الحزب" النشرة الداخلية التنظيمية التي تخص أعضاء الحزب وتوزع عليهم فقط. وكانت قد صدرت منذ أربعينيات القرن الماضي، استمرت بالصدور دون انتظام وحسب الحاجة اليها، ولازالت مستمرة في الصدور.

وفي المقابل سارع الحزب إلى تشكيل مختصة إعلامية خارج الوطن، سعى من خلالها وبمعية رفاق المنظمات الحزبية في الخارج لإعادة تشكيل هيئة تحرير جديدة لإصدار "الثقافة الجديدة" المجلة الثقافية والفكرية للحزب. وبادر الرفاق الإعلاميون إلى إصدار مجلة "رسالة العراق"، التي تراوحت مواضيعها بين السياسية والاقتصادية والتعبوية وفضح جرائم النظام الدكتوري ونشر الوثائق والمقابلات، والصور والبوسترات التحريضية والرسوم الكاريكاتيرية. بالإضافة إلى ذلك قام إعلام الخارج بترجمة بيانات الحزب ومنشوراته السياسية إلى اللغات الاجنبية لتعبئة الراي العام العالمي لنصرة           شعبنا العراقي ضد سلطة الحرب والدكتاتورية.

إذاعة "صوت الشعب العراقي" السرية

حظيت مسألة ايصال صوت الحزب إلى كل بيت عراقي باهتمام خاص. ولم تكن الثورة التكنولوجية قد بلغت مدياتها المعروفة حالياً، ولم تكن متوفرة وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الفائت، وحتى ولو كانت متوفرة فان النظام الدكتاتوري كان سيحجبها بالتأكيد عن المواطنين العراقيين. ولكن بمقاييس ذلك الزمان، كانت المحطة الإذاعية تؤدي مهمة الدخول إلى بيوت الناس بدون استئذان! وقد تمكن رفاقنا البواسل من نقل معدات المحطة الإذاعية المهداة من الحزب الشيوعي السوفييتي إلى اراضي كوردستان العراق في أوائل شهر تشرين الاول من عام 1980 (2)، وجرى تنصيبها في إحدى القواعد الأنصارية القريبة من قرية "ناوزنك" الواقعة مع مجموعة من القرى الأخرى في واد حدودي يفصل بين العراق وإيران. وبعد محاولات تجريبية عديدة بدأت اذاعة "صوت الشعب العراقي" السرية تبث برامجها مع حلول الذكرى الـ (47) لميلاد الحزب الشيوعي العراقي في 31/3/1981 باللغتين العربية والكردية، ولكل قسم مدة نصف ساعة وبفترتين صباحية ومسائية، والبث يصل للمدن الجنوبية، ويسمع في الكويت أيضاً، ويصل للمدن السورية وحتى العاصمة اللبنانية بيروت، حيث كنت ضمن الرفاق المكلفين بالإنصات للإذاعة وإعداد نشرة بموادها الملتقطة على الرغم من التشويش الحكومي الهائل، الذي كان يحاول بشراسة حجب البث على الموجة الطويلة.

كان طابع مواد الاذاعة تحريضي، يستهدف فضح النظام الدكتاتوري وكشف جرائمه وادانة قادسيته المشؤومة ضد إيران وتعبئة الرأي العام العربي والعالمي للتضامن مع الشعب العراقي في إنهاء الحرب واسقاط النظام واقامة البديل الديمقراطي. وكانت المواد تكتب بأشكال صحفية مختلفة، تتراوح بين الافتتاحية والتعليق والمتابعة والبلاغ العسكري والحديث الشعبي والمادة الثقافية، وبرامج خاصة باركان الطلبة والشبيبة والمرأة والعمال (3).

لقد مرت اذاعة "صوت الشعب العراقي" السرية بمراحل عديدة منذ انطلاقتها الجديدة في عام 1981. ولست بصدد التوقف عند كل مرحلة من تلك المراحل المشرفة لضيق المساحة المحددة لهذه الوقفة، ولكني أستطيع التوقف كشاهد عيان ومشارك في مرحلة بثها من منطقتي "لولان" و"خواكورك" بمحافظة اربيل، حينما تم تكليفي بالانضمام إلى القسم العربي في تشرين الاول من عام 1984 لإعداد مواد "ركن الشبيبة والطلبة" الاسبوعي. وكان في قوام هيئة تحرير القسم، الذي قاده الرفيق النصير الفقيد عبد الرزاق الصافي، كل من الرفاق الأنصار: مفيد الجزائري، الفقيدة رجاء الزنبوري، عبد الله عطية، مصطفى ياسين، سمير سالم داود، الفقيد لطيف حسن. وانضم إليهم لاحقاً بعد المؤتمر الرابع للحزب في خريف عام 1985 الرفاق الأنصار: رضا الظاهر، داود امين، الفقيد يحيى علوان، الفقيد مالك يوسف شيخ نور.

في الإذاعة تأسس كذلك القسم الكوردي، وكان يقوده عندما التحقت بالإذاعة الرفيق النصير جلال الدباغ، ولاحقاً قاده النصير الشاعر هاشم كوجاني، وضم مجموعة من الشبيبة الكوردية المثقفة، من بينهم الرفاق الأنصار: حسن كرمياني، ريواز احمد باني خيلاني، دكتور متين، بيان سيد باقي، حمة رنجاو، برشنك سعيد، كاروان، شمال حويزي، شاكر، آسو كريم، آزاد حمد امين، سرو قادر.. وغيرهم. كان البث باللهجتين السورانية والبهدنانية. وقد لعبت الإذاعة الكوردية دوراً كبيراً في دعم الحركة الاحتجاجية الطلابية في المؤسسات التعليمية بالمدن الكوردستانية العراقية عامي 1982 و1984 ضد سوق الطلبة إلى معسكرات التدريب القسرية وسوقهم للمعايشة في جبهات القتال مع ايران.

استمر البث الاذاعي باللغتين العربية والكوردية يومياً، لمدة ساعة لكل منهما ولفترتين صباحية ومسائية، لغاية الهجوم الواسع على مقراتنا القيادية (الاذاعة والمطبعة، المكتب السياسي للحزب، المكتب العسكري المركزي "معم"، مكتب العلاقات المركزية للجبهة الكردستانية، الطبابة المركزية) في منطقة "وادي خواكورك" بمحافظة اربيل، وانسحابنا إلى قرية "ناوزنك" الحدودية في اواخر شهر اب من عام 1989، بعد معارك بطولية اجترحها الأنصار الشيوعيون وحلفاؤهم من بيسشمركة الاحزاب الكوردستانية المتواجدين آنذاك في المنطقة، او الذين جاءوا كدعم من مناطق اخرى في معارك "قبر زاهر". وكنت ضمن الرفاق الأنصار المكلفين بدفن معدات الاذاعة قبل انسحابنا من المقرات في منطقة "ارموش" بمحافظة أربيل باتجاه قمة جبال "قبر زاهر" على المثلث الحدودي بين العراق وإيران وتركيا. وشاهدت دموع الحزن والألم في عيون مهندسي الاذاعة الرفاق الأنصار: صفاء حسن العاني، محمد صالح هادي ياسين، ومرتضى "أبو سهيل". ولا شك ان المهندسين الآخرين إحسان طبلة وهاشم حسين علي وعلي خزعل حسين كانوا يشاركون رفاقهم هذا الحزن والألم.

معاودة إصدار صحافة الحزب باللغة الكوردية

مع انتعاش الحركة الأنصارية اوائل عقد الثمانينيات، تشكلت هيئتان للأعلام الكوردي، واحدة تابعة للجنة منظمة اقليم كوردستان للحزب الشيوعي العراقي مهمتها الرئيسة اصدار (ريكاي كوردستان/ طريق كوردستان)، والثانية تابعة إلى الإعلام المركزي للحزب ومهمتها استمرار القسم الكوردي من الإذاعة. كما سارع الإعلام الحزبي إلى معاودة اصدار بقية الصحف والمجلات باللغة الكوردية:

- الصحيفة المركزية للجنة إقليم كوردستان "ريكاي كوردستان/ طريق كوردستان". فقد عاودت الصدور باللغة الكوردية في مطلع عام 1980.

- صحيفة "ريبازي بيشمركة/ نهج الأنصار" صدرت باللغتين الكوردية والعربية في شباط 1980.

- مجلة "بيري نوي/الفكر الجديد" باللغة الكوردية عاودت الصدور بشكل فصلي في عام 1984 بمئة صفحة شملت مختلف المواضيع الثقافية والفكرية.

صحافة المنظمات الديمقراطية العراقية

في ظل الظروف الجديدة وتوفر الامكانيات المادية والتقنية لدى فصيل الإعلام المركزي للحزب الشيوعي العراقي في حركة الأنصار، جرى تقديم الدعم الكافي لنشطاء المنظمات الديمقراطية من أجل طباعة منشوراتها وبياناتها وإعادة إصدار صحافتها المركزية شهرياً وبانتظام وبحجم صغير وبأربع صفحات وباللغتين العربية والكوردية، استمرت حتى حملة "الأنفال" سيئة الصيت في عام 1988:

- الصحيفة المركزية لاتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية "كفاح الطلبة" عاودت الصدور في شباط عام 1985.

-   الصحيفة المركزية لرابطة المرأة العراقية "نضال المرأة".

- الصحيفة المركزية لاتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي "الشبيبة الديمقراطية"، عاودت الصدور في خريف عام 1981.

- مجلة "ثقافة الأنصار"، التي اصدرها فرع رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين في كوردستان.

مطبعة الإعلام المركزي للحزب

ابدى الرفاق الأنصار العاملون في مطبعة الإعلام المركزي للحزب في حركة الأنصار جهوداً كبيرة اتسمت بالتضحية والإيثار وتحمل صعوبات الحصار العسكري والاقتصادي بسبب الأعمال القتالية، والطبيعة القاسية لجبال كوردستان ومناخها، إضافةً إلى المهمات الأنصارية المطلوبة في الحياة اليومية للمقرات الخلفية: الاستطلاعات العسكرية، الحراسات اليومية، الخفارات الرفاقية (الطباخة والخبازة)، حملات جمع الحطب، التموين، تأمين الوقود، نقل البريد بين المقرات.. وغيرها من المهام الأخرى. وبفضل جهود هؤلاء الرفاق البواسل تم اعادة اصدار صحافة الحزب وطباعة وثائق مؤتمراته وبيانات لجنته المركزية ومنشوراته السياسية التحريضية الكثيرة، بالإضافة إلى ما ذكرته من إصدارات، التي شارك في تحريرها العديد من الأنصار من الصحفيين والكتاب والشعراء والفنانين والأنصار الهواة، الذي أصبح بعضهم فيما بعد كتابا وصحفيين وأدباء وشعراء معروفين في الوسط الصحفي والفني والأدبي داخل الوطن وخارجه.

لعل من بين أبرز الذين عملوا في المطبعة خلال فترة (1984 – 1989)، كانوا الرفاق الأنصار: كتاب الطابعة باللغة العربية (سمير طبلة، تغريد موسى حسين و"أبو نضال")، المصمم والخطاط حسام آل زوين، الرسام أسامة ختلان، كتاب الطابعة باللغة الكوردية (الشهيد "راويش" و"روشنغ")، التصوير والاستنساخ وسحب المطبوعات حمزة حكيم وعبد الكريم توما يوسف. يضاف إليهم لاحقاً بعد انسحابنا إلى "ناوزنك" الرفاق الأنصار كتاب الطابعة ("ابو نضال"، كفاح كونجي، حسن علي خليفة).

لمناسبة الذكرى الـ (91) للصحافة الشيوعية العراقية، نستذكر باعتزاز كبير سيرة شهداء إعلام الحزب الشيوعي العراقي في كل مراحله ومفاصله.. ونحيي باعتزاز كبير ايضاً كل من ساهم ويساهم في تنشيط الصحافة الشيوعية والديمقراطية التقدمية في العراق، ونحيي بشكل خاص رفاقنا الأنصار البواسل، الذين ذللوا الصعوبات من أجل ايصال صوت الشيوعيين إلى الرأي العام العراقي والعالمي، ورفعوا عالياً راية الحزب وشعاره العتيد "وطن حر وشعب سعيد".

هوامش:

  1. عبد اللطيف السعدي "الإعلام الأنصاري، تشكيلات ترسخت أفقياً وعمودياً … ونشاطات فاعلة، كبحتها مواقف ضيقة..!". موقع ينابيع العراق 18/8/2024.

  2. سالم جورج "ذكريات ومعلومات تصحيحية موثقة عن إذاعة صوت الشعب العراقي الاولى في كوردستان العراق". موقع الحوار المتمدن 27/9/2022.

  3. داود امين " إعلام الحزب الشيوعي العراقي خلال فترة الكفاح المسلح 1979 _ 1989". موقع الحزب الشيوعي العراقي 15/9/2015.

الاسماء الموجودة بين قويسات هي اسماء حركية للرفاق الأنصار، ولا أعرف اسماءهم الحقيقية للأسف الشديد.