وسط زخم التطور التكنولوجي ومتغيرات الخطاب الإعلامي ووسائل وصوله إلى جمهور أوسع هناك صحافة حافظت على قيم العمل واحترام أسسها المهنية بدءا بالمصداقية والأمانة وليس انتهاء باحترام عقل متابعاتها ومتابعيها فهي في جوهر مدخلات الصحافة الشيوعية ومخرجاتها..
ما بات واضحا في عمل مجمل الصحف والفضائيات وخطاباتها هو صراعها من أجل أن تحظى بأوسع جمهور وأكثر إعلانات والظاهرتين تخضعان لقيم التجارة أولا وآخرا لأن تلك الوسائل الإعلامية والصحافية إنما تبحث عن فكرة الربح بديل الخسائر المادية كون المنصة المالية هي ما يديم وجودها ويستمر به.. لكن الصحافة الشيوعية بين قليل أو نادر من الصحافة مازالت تتمسك بمبادئ العمل وأسراره المهنية الأنجع وهي بالجوهر تتمسك بالإنسان وحقوقه وحرياته والدفاع عن وجوده الحر الكريم بالمقام الأول وصلاتها بالناس وواسع الجمهور ينطلق من هذه الحقيقة التي أدركتها الجماهير العريضة ومازالت تنظر إلى تلك الصحافة من هذا المنطلق ومنظوره الفكري.. إن القارئ يعرف أن ما يبحث عنه من حقائق واستكشاف صائب الأمور بمعالجاته الموضوعية لا يجده في القنوات أو المنصات التجارية الكبرى بحجم استثماراتها ولكنه يجده هنا في المنصة التي تعتمد بكفاحها من أجل إيصال الواقع بتفاصيل اليوم العادي وبكل ما يتناول ويعالج المشكلات والقضايا بمنطق العقل العلمي نجده هنا..
المال ومؤسساته تطفو وتعلو وتكبر لكنها سرعان ما تتراجع وربما تختفي وتحتجب الصحيفة مثلما مؤسستها الاستثمارية؛ لكن الصلة القائمة على احترام الإنسان هي الثابت المكين للصحافة الشيوعية ونظيراتها الديموقراطية اليسارية فتلك صحافة يشتغل العاملون فيها بصيغ كفاحية وبروح معطاء كثرما تكون تطوعية فضلا عن تلك التي تأتي بالأساس بروح التعاون والتطوع خدمة للمبادئ وإعلاءً لها.. هنا من يضحي بعطائه على الرغم من انتسابه لمستويات الفقر المادي هو الغني الثر بما يمتلك العقل وقدرات الكشف بل التضحية من أجل الكشف عن الحقيقة ومن أجل إيصالها إلى أوسع جمهور..
تلكم الصحافة هي صحافة الناس التي تتغنى بعبارة مأثورة بأن "الصوت لو يُشترى ما تشتريه الناس" إن محرري نصوص تلك الصحافة لا يعتمدون استدرار عواطف أو اللعب بميادين الانفعال غير المحتكم لمنطق العقل، إنّهم يكتبون بمداد من دماء زكية وأحبار الصدق والأمانة وحماية مصادرهم والتيقن من سلامة المادة ومن صواب نشرها بما يتفق ومصالح الناس بخاصة هنا الفقراء، البسطاء، الأبرياء الباحثين عن منصة تنشر قضاياهم ومشكلاتهم ومعاناتهم لتجد حلا ليس بمناشدات لسارقي تلك الحاجات الإنسانية ولكن المطالبة بها عبر كشف الأسباب ومن يقف وراءها..
لابد من إصرار على توكيد منظومة أخلاقية تحكم العمل الصحفي ومبادئ المهنة حيث لا يمكن لصحافة تلتزم الإنسان ثابتا جوهريا لعملها وتنتهك تلك القيم والمبادئ كما تفعل عديد المؤسسات الصحافية المتاجرة بالمهنة.. الصحافة التي تتمسك بالناس وعلى رأسها الصحافة الشيوعية، تتمسك بأخلاقيات معروفة للإنسان القارئ الباحث عن إجابات أسئلته بمصداقية ومن تلك الأخلاقيات سنرصد: النزاهة، والمسؤولية والاحترام؛ إذ تشير الأولى إلى أمانة وصدق في تناول معلومة واتخاذ موقف وإنجاز هدف فيما سيتعزز بالمنظومة الأخلاقية كل ما يتعلق بالتعامل مع الآخر إنسانا أو قضية أو إشكالية واحترام الحقوق كافة في هذه العلاقة..
وبخلفية المبادئ التي يتبناها صحفيو اليسار فإن معايشة حيوات الفقراء والمهمشين وأوسع جمهور لهذه الصحافة ينبغ من درجة الحساسية تجاه تفاصيل اليوم العادي للإنسان البسيط ومن تلك الاستقلالية والشجاعة في تبني صائب الحقائق المعبرة؛ لكن تلك الشجاعة بهذا النهج وأخلاقياته تتحمل المساءلة وتدافع عن الحق والحقيقة وترفض إفشاء أسرار مصادرها وتضع نصب الأعين معايير العمل المثبتة في اللوائح الدولية المعتمدة..
إن الصحافة الشيوعية ليست مجرد أوراق تمتلئ بنصوص موضوعية أو جمالية في محمولاتها الفلسفية الفكرية والسياسية ولكنها أبعد من تسليطها الأضواء على الأحداث والاستقصاء المعمق لها وفيها، تقدم تشريحا للواقع بما يبني الشخصية ويتقدم بها نحو آفاق تنويرية ديموقراطية تخلق أسس العلاقات البناءة إيجابيا لدى جمهورها..
لكل تلك الأسباب كان تحرير تلك الصحف يعتمد عقولا خبيرة عركتها التجاريب والوقائع الطبقية والاجتماعية حداً باتت تصل برسائلها على أساس وحدة بين المنصة الصحافية والوجود الشعبي الأشمل لقرائها.. وطبعا يتأتى هذا ويتنامى مع تعميقها الوعي الاجتماعي والارتقاء به عبر حواراتها المعمقة المشرقة بتطلعات وبخطاب لا يتماهى مع مصطلحات مستهلكة للمعجم الشا~ع ولكنه يتماهى مع القيم الشعبية وحراك المجتمع نحو آفاق تجدد الآمال وتخلقها وسط تلك الجموع..
وبين تمسك بمبادئ العمل وأخلاقياته المنحازة للفقراء والمحادة تجاه ذكر الرؤى بتعدديتها وتنوعها وحتى باختلافها وبين جسور العلاقة بالناس تتحول الصحافة الشيوعية إلى وضع أكبر من منصة مقروءة لتشكل وجودا تنظيميا لقادة الفكر ولتشكيلات تنظيمها المتشكل من آلاف حاملي رايات تعزيز صلاتها وتوزيعها على الرغم من المطاردة والتضييق والتنافس السلبي من أطراف معادية وتُخلق تركيبة تنظيمية من شبكة مراسلين هم جسم المناضلات والمناضلين ممن يجسد هموم الناس ومعاناتهم وأصواتهم المتعالية في فضاء الوطن عابرة الحدود نحو الآفاق الأممية إنسانيا..
تلك هي صحافة تحتفل اليوم بتسعة عقود من الكفاح والتضحيات الجسام لتؤكد أنها الباقية بفضل محبة الناس وتجسيد الصوت الشريف السامي الذي لا يباع ولا يُشترى بل يقاوم التحديات نحو تلبية أروع الأماني والتطلعات وتجسيدها قيمة فعلية بحيوات الناس..
وبهذه المناسبة الكرنفالية الشعبية أنحني لكل شهداء الصحافة في العالم والوطن وفي الحركة التنويرية والحركة الشيوعية في عراق يكافح من أجل غد أفضل وأقف إجلالا لرائع المنجزات وخطى التقدم حيث باتت الصحافة الشيوعية وجها لكل الشرفاء من حركة التنوير ودمقرطة المسار..
وإلى أعوام المائة عامة من عمر هذي الصحافة الأصيلة وقيمها التي تنثرها بذورا تخوضر أشجارا مثمرة.. وليكن هذا العام الاحتفال مقرونا بتوزيع يكسر حدود المليون يوم 31 تموز العيد والكرنفال الشعبي.