صحيفة لها كل الحق أن تفتخر بنفسها، وان يفخر بها المواطن العراقي، فهي اليوم في عامها التسعين لا شغل لها غير مطالب الكادحين، ولدت في العام الخامس والثلاثين من القرن العشرين بعنوان كفاح الشعب.
التأسيس والمسيرة
يقول حنا بطاطو في كتابه ( الحزب الشيوعي ص 89 ) وكان عاصم فليح ( وهو أول سكرتير للحزب الشيوعي العراقي ) منهمكا في التحضير لنشر أول صحيفة عراقية سرية ، وظهرت ،كفاح الشعب، في تموز يوليو عام 1935 أيام وزارة ياسين الهاشمي ، وبعد شهرين تقريبا من انهيار انتفاضة الفرات الأوسط ، وقدمت الصحيفة نفسها كناطقة بلسان العمال والفلاحين ، وكمطبوعة صادرة عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ، والمعروف أن الانكليز ومَن والاهم من جنرالات مدرسة الأستانة أوهنوا انتفاضة الفرات الأوسط وأبعدوها عن أهدافها في رفض الاحتلال ، واستقر الوضع لصالح المندوب السامي مما أثار حفيظة الحزب الشيوعي المعادية منذ ولادته عام 1934 للاستعمار القديم ، وقد أعلن في العدد الأول من صحيفة كفاح الشعب وكانت سرية ، أن الناس فشلوا في جني ثمار انتفاضات الفرات لسبب هام جداً إلا وهو عدم وجود حزب طبقي ثوري. وفي عددها الاول تهاجم البريطانيين، وهم يحلون في العراق محتلين.
الصحف الشيوعية تخلق الرأي العام
يمكن القول إن الحزب الشيوعي العراقي كان مصدرا للمعلومات التي يحصل عليها المواطن آنذاك عن نوايا الحكومات المتعاقبة وعن أساليب الانتداب في مسيرة حكم البلاد، وصحيفة كفاح الشعب وبرغم كونها سرية، كانت منذ عددها الأول تتناول قضية الاحتلال على أنها تقف في مقدمة المشاكل التي يمر بها البلد آنذاك، وبسبب انتشار شعبية الحزب وانبثاثه بين ثنايا شعبه، سيما العمال والفلاحين، فإن ما تنشره الصحيفة كان يصل إلى العموم، وقد جاء في عدد للصحيفة الأهداف الحقيقية للحزب الشيوعي العراقي وهي.
اولا .... طرد المستعمرين، وضمان حرية الشعب.
ثانيا.... توزيع الأراضي على الفلاحين.
ثالثا .... إلغاء كل ديون الأراضي ورهوناتها.
رابعا.... مصادرة كل أملاك المستعمرين، من المصارف إلى حقول النفط واعمال السكك الحديدية وغيرها، ونزع ملكية العقارات الزراعية الكبيرة.
خامسا..... تركيز السلطة بأيدي العمال والفلاحين.
سادسا.... إطلاق الثورة الاجتماعية، بلا تأخير، في كل مجالات الحياة الأخرى وتحرير الناس من أشكال الخضوع المتنوعة.
إن تلك الطروحات التي جاءت على لسان الحزب ، وان كانت جديدة وجريئة لكنها تعد امتدادا لأفكار جماعة الرواد في عشرينيات القرن الماضي الذين أسسوا صحيفة (الصحيفة ) التي فتحت للعراقيين لأول مرة بابا على عالم المعارضة الحقيقية ، وان الحزب كانت له مطالب محددة يريدها المواطن ولم يكن يجد من يعرضها على الملأ ، وقد كان للصحيفة نهج علمي يأخذ بعين الاعتبار المتلقي البسيط الخارج من ظلام الدولة العثمانية والداخل للتو على مقارعة دولة محتلة ، وأنها كانت تخاطب أنصار الحزب ومواليه ، وتنتشر الوعي السياسي ، لذا فإنها كانت تخلق الرأي العام وتغذيه بالمستجدات أولا بأول ، خاصة تتابع الحكومات وتدوير الوجوه المتسلطة ، وقد اتفق الباحثون في التاريخ السياسي العراقي الحديث ، أن صحافة الحزب الشيوعي وأفكاره كانت هي الأكثر مضاءً عند العراقيين ، وهي التي مهدت للشعبية التي حظت بها ثورة الرابع عشر من تموز في لحظاتها الأولى ، فقد كان الرأي العام مهيئا للثورة كما هيأ الضباط الأحرار السبيل لتلك الثورة .
إن الظروف الاستثنائية التي كان يمر بها الحزب جعلت من صحافته أن تكون سرية على الدوام وكانت تتغير بتغير الظروف الموضوعية، ففي بداية الاربعينيات من القرن الماضي صدرت صحيفة الشرارة، وبعد أن استولى عليها بعض المنشقين، صدرت صحيفة القاعدة عام 1943، وفي عام 1956 صدرت صحيفة اتحاد الشعب، وفي كانون أول عام 1961: صدرت الاتحاد علنا، وكنت تجدها قد تبخرت لدى موزعي الصحف والمجلات. وعادت لتكون سرية في العهد الجمهوري، نظرا لعدم تحمل الآخرين لمطالبها ودعواها نحو اصلاح زراعي حقيقي، ونحو السلم والحكم الذاتي لكردستان، وكانت تؤلب الرأي العام ضد الاقطاع والرجعية المحلية. وفي العام 1973 صدرت طريق الشعب وهي علنية وأيضا لمدة محدود، بالنظر لتعارض افكارها مع البعث وأساليبه تجاه الفرقاء في الجبهة الوطنية التقدمية.
مسيرة الطريق الحالية
من يتصفح صحيفة طريق الشعب اليوم ، يجدها تحمل ذات التوجه القديم ، إلا وهو الاحساس اليومي بهموم الناس ومعاناتهم ، وقد اضاف الفساد وانتشاره عبئا إضافيا على صفحاتها ، ولها موقف يومي إزاء حياة الشعب ومعاناة فقرائه وشكواهم ، كما أنها تعكس آراء الصحافة العالمية بأوضاع البلاد الداخلية ، وفي صفحاتها يجد القارئ ما يريد أن يعرفه عن مواقف الحزب إزاء القضايا السياسية ، وما يخرج به من اراء حول قضايا الناس الاقتصادية ، ولها اهتمام خاص بشؤون المرأة ومعاناتها اليومية ، وتنفرد الصحيفة بتحليلاتها العلمية إزاء الفكر والثقافة ، ولها أبواب خاصة للاهتمام بشؤون الطبقة العاملة وظروف الفلاحين ، خاصة بعد انحسار المياه ، والاستيراد غير الممنهج للمنتجات الزراعية .
إن طريق الشعب لم تعد تعرف فقط لتاريخها العريق، إنما تعرف من خلال مواقفها الصلبة تجاه قضايا الشعب، وهي لم تعد تفرق بين الأنظمة السياسية إلا بما تحققه من مكتسبات على طريق هذا الشعب.