(عاصر الراحل الدكتور فائق بطي (1935-2016) عهودا مختلفة من أنظمة الحكم في العراق، إذ كان شاهد عاصره كصحفي، وكاتبا ومؤلفا للعديد من البحوث القيمة، عميد الصحفيين ومناضلا شيوعيا ساهم في نضالات شعبنا العراقي وانعطافاتها المختلفة، وتعرض للاعتقال وعاش في المنافي، وساهم بتأسيس نقابة الصحفيين العراقيين بعد ثورة 14 تموز.
وهذه مساهمته مستلة من محاضرة ساهم فيها في لندن قبل أعوام، حول رؤيته للوضع، قبل وبعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958).
يرى بطي إن العهد الملكي تميز بوجود رواد في الثقافة العراقية أمثال الباحث أنستاس ماري الكرملي الذي عرف بإرثه الثقافي الوفير، وتميز مجلته (لغة العرب)، والشعراء جميل صدقي الزهاوي، ومعروف الرصافي، وعلي الشرقي، والكتاب روفائيل بطي، وإبراهيم صالح شكر ومحمد رضا الشبيبي، وإبراهيم حلمي العمر وخلف شوقي الداودي. كما تميز أيضا بوجود رواد الفكر الإشتراكي الذين أصدروا صحيفة (الصحيفة) في 28 كانون الأول عام 1924،
ومنهم حسين الرحال ومحمد سليم فتاح (أول من ترجم روائع تولوستي) ومصطفى علي (وزير العدل في حكومة ثورة تموز)، ومحمود أحمد السيد (رائد القصة والرواية العراقية) وعوني بكر صدقي وعبد الله جدوع.
ولعبت البيوتات العراقية العريقة أيضا دورا مهما في الثقافة العراقية، إذ كان من أولادهم يساريون وشيوعيون أمثال: آل الشبيبي، والقاضي، وأمين زكي، وحيدر سليمان، وقزانجي، والجادرجي، وآل الجواهري، وبيت الحافظ، وأبو التمن.
وتعزز ذلك بوجود قامات في الثقافة الوطنية، وبعضهم من اليساريين، وكانت لهم مساهمات إبداعية في القصة والرواية أمثال جعفر الخليلي، وذنون أيوب، وعبد الملك نوري، وغائب طعمة فرمان، وفؤاد التكرلي، وأدمون صبري، وجبرا إبراهيم جبرا، وفي الشعر برز محمد مهدي الجواهري، ومصطفى جمال الدين، ومحمد صالح بحر العلوم، ونازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي، وبلند الحيدري، وحسين مردان، وكاظم السماوي، ولميعة عباس عمارة، وخالد الشواف، وعدنان الراوي.
وفي الفن التشكيلي برز جواد سليم، ونوري الراوي، وخالد الجادر، وفائق حسن، ومحمد غني حكمت، وعبد الجبار البنا، ومحمود صبري، وفي المسرح: حقي الشبلي، ويحيى فائق ويوسف العاني وغيرهم.
وفي حديثه عن تموز يرى أن بحدوث الثورة تفتحت ألف زهرة وزهرة، وتحققت مكاسب كثيرة من إطلاق الحريات وسراح السجناء، والخروج من حلف بغداد والإسترليني، وقانون الإصلاح الزراعي وقانون رقم 80 للنفط، وغيرها،
ومن المكاسب الثقافية، صدور المجلات، وتعددت المنابر الصحفية، ومنها الثقافة الجديدة، والمثقف (بإدارة غانم حمدون وعلي الشوك) و14 تموز.
وتأسست نقابة الصحفيين التي رأسها الجواهري لدورتين، واتحاد الأدباء في العراق الذي أصدر مجلة (الأديب العراقي)، وكذلك مصلحة السينما والمسرح التي أصبح الفنان يوسف العاني مديرها العام.
كما أنشئت المسارح والفرق المسرحية منها: فرقتا: المسرح الفني الحديث و14 تموز.
وأقيمت النصب والتماثيل وفي قمتها نصب الحرية لجواد سليم، والجندي المجهول لرفعة الجادرجي.
ويرى فائق بطي أنه بالرغم من ذلك فإن النتاج الثقافي كان ضعيفا قياسا بالعهد الملكي ومن أسبابه:
-إستقطاب الصحف والمجلات غالبية المثقفين ومنهم الجواهري وكاظم السماوي، ورشدي العامل وغيرهم.
- زج المثقفين بالعمل السياسي وخصوصا الحزبي ومثال ذلك النشاط في الحزب الشيوعي العراقي.
- توظيف المبدعين في الدوائر والمؤسسات المستحدثة.
- تطلع المثقف نحو العمل في الإعلام على حساب الإبداع.
- الإعتقالات والهجرة للخارج بسبب تخبط سلطات حكومة تموز.
وأنعطف في حديثه عن المثقفين والمبدعين الذين برزوا من جيل تموز من عرب وأكراد وقوميات أخرى ومنهم:
عبد الرزاق عبد الواحد، ويوسف الصائغ، وهاشم الطعان، والفريد سمعان، وعلي الشوك، ورشدي العامل، وصادق الصائغ، وسافرة جميل حافظ، وغانم حمدون، وخليل شوقي، وعبد الله كوران، وشيركو بيكه س، وعزالدين مصطفى رسول، وفلك الدين، ومحمد عارف، وضياء العزاوي، ورافع الناصري، وصلاح نيازي، ونجيب المانع وآخرون.
ودعا بطي أنه آن الأوان، لإصدار مجاميع عن تلك المرحلة من تاريخ العراق التي شكلت تراثا مهما له، مشيرا إلى الجهود الناجحة للتوثيق والأرشفة التي حققها كل من: كوركيس عواد، والدكتور داود سلوم، وعبد الإله أحمد، وجميل الجبوري، وحميد المطبعي، وياسين النصير، وأحمد فياض المفرجي، والدكتورة خيال الجواهري، وباسم حمودي.