ونحن نستذكر الذكرى التسعين لصدور جريدة كفاح الشعب وهي اول جريدة يصدرها الحزب الشيوعي العراقي عام 1935، فأننا في نفس الوقت نتتبع مسيرة الصحافة الشيوعية الممتدة منذ ذلك التاريخ المجيد وكانت نبراسا تنويريا أنتجت كواكب من الصحفيين الذين تدربوا في تلك الصحافة واستلهموا منها روح النضال من اجل قضايا الشعب وهمومه عبر هذه المسيرة التاريخية الطويلة، واستشهد منهم الكثير على مذبح الحرية.
وفي أوائل السبعينات من القرن الماضي اعاد الحزب إصدار (طريق الشعب) بحلتها العلنية، وبصدورها دشنت مرحلة جديدة من تاريخ اول صدور لها، فقد تلقفها بحماس ليس فقط الشيوعيون وإنما كافة الشرائح المتطلعة الى بصيص أمل في ظل سلطة مشكوك في نواياها، دون ان يعبئوا بضغوط ومراقبة أجهزة الأمن البعثية التي كانت تنظر اليها كمحرض خطير لتعبئة الناس من اجل اقامة نظام ديمقراطي يتنفسون فيه عبق الحرية. وكانت كافة صفحات الجريدة تنبض بشيء جديد يجذب القارئ المتطلع الى الحقيقة ليجدها في ثنايا تلك الصفحات ومن بينها صفحة الطلبة والشباب وربما كانت لهذه الصفحة خصوصيتها لأنها كانت تخاطب الشباب بلغة تعبوية تنويرية يفهما بوضوح، إلا ان بدايتها لم تكن يسيرة فكان لابد من ايجاد الكوادر القادرة على النهوض بتحريرها بصورة تلامس تطلعات الشباب والطلبة، وتعبر عنها اصدق تعبير وهذه المهمة كانت تتطلب مصادر معلوماتية ومساهمين في الكتابة اليها، لهذا قام الحزب بتشكيل المكتب الصحفي الطلابي الذي قاده في البداية الشهيد فيصل قحطان العاني، وكان المسؤول عن تحرير الصفحة في اول الأمر الرفيق رواء الجصاني، وبعد ان انتقل الى مهمة حزبية اخرى نسب الشهيد فيصل لمهمة تحريرها. اما نشاط المكتب الصحفي فأسندت مسؤوليته الى كاتب هذه السطور. لقد كانت مهمة المكتب من الثقل بمكان فقد كنا نستلم يوميا دفقا كبيرا من المساهمات التي يحررها الطلبة من كافة أنحاء العراق. ولقد كان للنصائح التي كان يبديها المكتب الصحفي لمنطقة بغداد (مصب) والتي كانت تقوده الكاتبة والصحفية طيبة الذكر سعاد خيري، وكنا نعمل ليل نهار من اجل إعادة تحرير المساهمات الصحفية التي تردنا من المنظمات الحزبية ومن اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية آنذاك، وكنا نرد على كافة المساهمات غير الصالحة للنشر بصيغ تربوية تعليمية، لقد كانت المساهمات تعكس هموم الطلبة والشباب وواقع العملية التعليمية وكافة المواضيع الاخرى في الادب والفن وأنواع المعرفة رغم التحديات السياسية التي كان يواجهها الطلبة والشباب الشيوعيون ليس فقط في المؤسسات التعليمية وإنما ايضا في المنشآت الصناعية والمحلات السكنية. وكان علينا ان نعكس جوهر مضامينها على الرغم من ان المكتب كان متكونا من ثلاثة رفاق فقط وهم ـ إضافة الى كاتب هذه السطور الذي اصبح محررا للصفحة في ما بعد ـ الرفاق سعد صالح السماوي وكان متميزا بأسلوبه الصحفي الواعد والشهيد غفار كريم (نوزاد)، والرفيق كفاح عبد الامير شقيق الشهيد البطل وضاح عبد الأمير (سعدون). ولم نعرف وقتها هذه العلاقة، لكن تجربة المكاتب الصحفية ومنها المكتب الصحفي الطلابي، سجلت تجربة ما زالت شاخصة حتى اليوم.
ان مما كان يساعدنا في اداء مهمتنا هو الأجواء التي كانت تسود عمل الجريدة في ذلك الوقت. وكانت العوامل تتضافر مع بعضها، فقد كنا نعمل في غرفة تنبض بالمحبة والطيبة والحنان فكان يعمل معنا محررو صفحة التعليم والمعلم، وهم كل من الفقيد حسن العتابي (ابو جمال) والرفيق نعمة عبد اللطيف (أبو زينب) الذي عمل محررا لصفحة التعليم والمعلم في الفترة الأخيرة، قبل ان يستفحل مرضه بالإضافة الى الرفيق حميد الخاقاني والرفيق هاتف الأعرجي. وكان العاملون في أقسام الجريدة يقضون يومهم كورشة عمل وفريق متجانس تلمس فيهم الحرص في أداء الواجب، ويجمعهم هدف مشترك عنوانه ان تخرج الجريدة بأجمل حلة وأحسن أداء، وان تعبر عن سياسة الحزب في الظروف الملموسة احسن تعبير، فكنا نرى هدوء الرفيق عبد الزراق الصافي (ابو مخلص) في معالجة المشاكل التي تنهض هنا وهناك، وحماس الرفيق فخري كريم مدير التحرير الأقرب الى العصبية التي يتوهم البعض انها جزء من طبيعته، ولكن حقيقة الامر هي ضغط العمل.
ومن المناسب الإشارة الى ان الجريدة كانت مدرسة تدرب في أروقتها ليس رفاق الحزب وأصدقائه فقط، وإنما أيضا الطلبة العرب فكان مما اتذكره جيدا الطالب البحراني سعيد العويناتي كان آنذاك طالبا في كلية الآداب، وكان قد تدرب في كافة اقسام الجريدة وتطورت ملكته الصحفية بشكل سريع وعندما عاد الى بلاده عمل في مجلة المواقف البحرانية، وبسبب آرائه الماركسية اعتقلته السلطات البحرانية واستشهد تحت التعذيب. وبعد أليس من حقنا ان نفخر بالصحافة الشيوعية.