التدخل الدولي في الحرب السودانية أصبح مباشرا بعد انتشار قوات ليبية في المثلث الحدودي بين مصر والسودان وليبيا تحت سمع وبصر العالم.
وبدلا من إدانة المجتمع الدولي لهذا التدخل السافر نجده يصر على تحميل الجيش السوداني وزر استمرار الحرب. ويتبعه في ذلك إعلام القوى الديمقراطية المحلية التي ما انفكت تقوم بتصوير فلول النظام السابق باعتبارهم الخطر المحدق بالبلاد. مع أنها لا ترفض بقبول التسوية مع التيار العسكري، ممثلا في الجنرالات الذين يتسيدون المشهد الآن كممثلين للجيش الموصوف من قبل تلك القوى بأنه جيش الإخوان المسلمين، ودون ان تحفل بالتناقض الظاهر في هذا الموقف.
الملاحظ أن التحركات الدولية تتزامن مع تحسن الموقف الميداني لقوات الدعم السريع، مثل احتلالها او استعادتها لمدينة او منطقة استراتيجية بينما ينعدم او يستعصم بتجديد الدعوة لطرفي النزاع بوقف الحرب وتسهيل توصيل المساعدات في أوقات تقدم الجيش على الأرض. ومع ان تلك المطلوبات لا يمكن ان يختلف معها أحد، إلا أنها يمكن النظر إليها من زاوية ان المجتمع الدولي الذي يسعي لوقف الحرب بطريقته المجربة في مناطق أخرى من العالم، والتي ظل يطرق عليها في السودان منذ عام 2012. وهي تقضي بجمع أطراف النزاع على صعيد واحد وتكوين حكومة منهم. وكما عبرت عنها الشراكة بين المدنيين والمكون العسكري بشقيه، الدعم السريع ولجنة البشير الأمنية، إذا لم نكن قد نسينا شعارات الثورة في ظل تكالب الأجندة العالمية. وتبدو الفكرة وكأنها تنطوي على قدر من الحكمة، ولكنها في الحقيقة تعكس شكل التسوية بين الكيانات والمجموعات الدولية التي تقف خلف أطراف الصراع وتستجيب لمصالح اللاعبين الدوليين والإقليميين في السودان وفي المنطقة. وفي ظن المجتمع الدولي أو الفاعلين فيه أن شعب السودان إذا لم يقبل بهذه الوصفة لاقتناعه بها فإنه سيفضلها على استمرار الحرب حتى وإن كانت تهدر السيادة الوطنية وتهدد وحدة البلاد. وفي ذلك تعد واضح على الحقوق التاريخية لشعب السودان وخياراته الوطنية وحقه في أن يندرج في المدنية المعاصرة من مواقعه المستقلة وبعيدا عن الضغوط والترتيبات الدولية في المنطقة.
يحدث هذا في وقت تخلو فيه توجهات التيار الديمقراطي خاصة الليبرالي، وكما في كل المنطقة، من المنحى التحرري. وتكاد تنكر وجود هيمنة استعمارية وتعتبر التدخلات الدولية خاصة الأمريكية والاوربية مشروعة، وإن التماهي معها وتبنيها يعتبر نوعا من العقلانية والرشد السياسي. فتغيب تبعا لذلك الأجندة الوطنية وترتفع بدلا عنها المصالح الدولية في الخطاب السياسي، مثل محاربة الارهاب والوقوف ضد التمدد الروسي والصيني. مع ان ذات الأجندة يمكن اتخاذ مواقف ايجابية منها وتصب في مصلحة الشعب من مواقع مستقلة تصون السيادة الوطنية.
هنا يختلط الحابل بالنابل، وبدلا من الدفاع عن وجود الدولة وحقها المشروع في بسط سيطرتها على أراضيها، تصبح القضية الأساسية مكافحة جماعات الإسلام السياسي التي استيقظت أمريكا مؤخرا على أنها جماعات إرهابية مع أنها كانت تتبنى نفس أفكارها الانغلاقية وتقوم بنفس ممارساتها الإجرامية خلال العقود الماضية. كما أن هناك مؤشرات عديدة على أن أمريكا يمكن أن تجمد قراراتها ضد الجماعة الإسلامية إن هي وافقت على أجندتها، وتحديدا القبول بوجود قوات الدعم السريع ضمن المنظومة الأمنية والعسكرية الى جانب مشاركتها في السلطة. هذا ما يريدون منا الصمت عليه، ولكن هيهات.