قبل الدخول في أية تفصيلة، نود أن نذكر، بأن مصرف الرافدين كان ولا زال مؤسسة مالية مرموقة، وكان يأتي في مقدمة المصارف العربية لا بل وقبل المصارف الاجنبية التي كانت عاملة في العراق قبل قرارات التأميم لعام 1964، فقد كان موضع ثقة الشركات الأجنبية على ما أذكر، وكان منافسا حقيقيا لمصرف الشرق الاوسط والبنك العثماني والبنك البريطاني والبنك الشرقي وتوماس كوك، وغيرها من البنوك الاجنبية المعروفة آنذاك.
مسيرة المصرف المالية والصيرفية
تأسس مصرف الرافدين بموجب القانون رقم 33 لسنة 1941، برأسمال حكومي قدره 50 ألف دينار عراقي، وكان الدينار آنذاك يساوي 4 دولارات أمريكية. وكان منذ بدايته يتبع نظاما محاسبيا دقيقا ينشر بموجبه كل سنة نشاطه المصرفي والتجاري ونسبة الفوائد وصافي الأرباح بشفافية عالية، ولم يكن يوما مشروعا حكوميا خاسرا، بل مشروعا رابحا من خلال إعلان نشاطاته المصرفية في الصحف المحلية، وكانت ارباحه معلنة، وكانت الفوائد التي يمنحها مجزية بالقياس إلى قيمة الدينار الدولارية آنذاك، هو مصدر ثقة المواطن، و كان يمثل وجه الدولة الناصع في كافة العمليات المصرفية، بدءا من الايداعات وصولا إلى تسهيل نشاطات الدولة في الوصول ماليا إلى المواطن من حيث ضمان وصول الرواتب والاجور، او من حيث تبرئة ذمة الدولة في تعاقداتها الحكومية او في تمويل المشاريع، او الحفاظ على الودائع الخاصة او على ايداعات القطاع العام، او القطاع التعاوني، او موجودات النشاط الخاص المالية، وقد كان للبنك الدولي رأي مشجع في المصارف الحكومية العراقية، سيما مصرف الرافدين، والمصرف كان وسيلة الدولة في تعاملها المالي الدولي إلى جانب البنك المركزي، وله قوة الإبراء الدائمة للدوائر الرسمية في الخارج سواء اكان عن طريق فروعه او من خلال تعامله مع مصارف أخرى، وكان موضع ثقة البنك المركزي في التعريف بالمصارف المراسلة من خلال فروعه أينما وجدت. وأن له ما لا يقل عن 147 فرعا داخليا و8 فروع خارجية ورأسماله المعلن اليوم حسبما هو منشور 238 مليار دينار. ولم نتمكن من الحصول على إجمالي الودائع لديه، وهي تقدر بتريليونات الدنانير. وفيه يضع المواطن المحلي كل الثقة. ولم يحصل ان امتنع المصرف يوما عن صرف مستحقات المودعين كما حصل في العديد من المصارف الأهلية، والسبب هو أن المصرف يعمل بضمانة الدولة.
المصرف لا يخصخص الا بقانون
ان ما تعرض له مصرف الرافدين وشقيقه مصرف الرشيد من نشاطات غير مألوفة في تعاملاتهما المالية والمصرفية كان نتيجة فساد عم أغلب دوائر الدولة، وكان هذا الفساد ولا يزال واقفا على قدميه رغم كل الإجراءات الحكومية، وتسرب إليه من خلال المخالفات المالية والمصرفية وذلك لوجود خلفية إدارية مانعة لمكافحة الفساد وتجاوز التعليمات المصرفية القديمة، غير أن محاولات تخريبه باتت اكثر قوة من مقاومته، والمؤسف ان وزارة المالية لم تعد تتبع ما كان يتبع سابقا، الا وهو ان ادارات المصارف الحكومية كانت تعنين من النخب المشهود لها بالاختصاص والنزاهة والخبرة .
ان التوجهات الحكومية لخصخصة المنشآت العامة الناجحة او حتى الخاسرة هي توجهات خاطئة تقف خلفها منظمات رأسمالية سيئة النوايا كانت ولا زالت عدوة حتى للقطاعات الناجحة ضمن حروب مستمرة لكل قطاع عام في الدول النامية، ونود ان نشير إلى حقيقة وجدتها لدى الشعب العراقي والمصري، تلك هي حب المواطن للقطاع العام، الناجح، ويدعو المواطن في كلا البلدين إلى إصلاح الفاشل، وله قاعدة، الا وهي ان المشروع يكفي ان يوفر الرواتب والأجور لمنتسبيه، خير من الغائه والتلاعب بعائداته. ونود التنويه ان الدول الرأسمالية خلال ازمة كورونا اكتشفت عجز القطاع الخاص في حماية المجتمعات الغربية من الوباء، سيما المستشفيات وشركات دفن الموتى، وشركات إنتاج الجوية واللقاحات، واليوم يجري الحديث حول تقوية دور القطاع العام في الدول الرأسمالية، لأنه الاقدر على مواجهة الازمات، وتضرب الامثال بقدرة الجيوش على المساعدة في أسوأ الظروف. ومنها ظروف الطوارئ.
نحن لسنا في معرض نقد الإجراء فقط، ولكن لماذا هذه النسبة المتواضعة للمساهمة الحكومية.؟ أليس الأسلم أن تكون حصة الحكومة 51 بالمئة، ولماذا كل هذا التنازل عن مضمون سيادة الدولة على قطاعها المصرفي،
أننا نناشد الحكومة للتروي في اتخاذ القرار، لأنها كما نعلم لا تملك حق التصرف بمستقبل المشاريع الحكومية سيما مصرف الرافدين، أذ تم تأسيسه بقانون، لذا لابد أن يغير هيكله بقانون يصدر عن مجلس النواب، وان مساهمات المصارف الأهلية برأسمال هذا المصرف العتيد ستجعله خاضعا لفساد إجراءاتها ولمخالفاتها المالية التي يشكو منها الينك المركزي على الدوام، والمطلوب بدلا من رأسملة المصرف العمل على اعادة هيكلته مجددا وفقا لما تمليه تعليمات ديوان الرقابة المالية وتوصياته، وان ما نرجوه هو إصلاح حكومي جاد يعتمد قوة القانون وتطبيق الاحكام، والحليم تكفيه اشارة الإبهام.