اخر الاخبار

في مقدمة كتابه (ما العمل؟) يصف لينين "الجريدة" قائلا: "تصبح هذه الجريدة جزءا من منفاخ حدادة هائل ينفخ في كل شرارة من شرارات النضال الطبقي والسخط الشعبي ويجعل منها حريقا عاما. وحول هذا العمل الذي هو بريء جدا وصغير جدا بحد ذاته، ولكنه منتظم وعام بكل معاني الكلمة، يتعبأ بصورة منتظمة ويتعلم جيش دائم من مناضلين مجربين..."

مقاربة ماركسية

في مقالنا هذا نسعى الى أن نقدم مقاربة ماركسية وقراءة جديدة في (لينين صحفياً)، وإرثه الغني في هذا الميدان، مركزين بشكل خاص على سمات الجريدة ودورها في الحركة الثورية، مضيئين جوانب من تجربة صحيفة (الإيسكرا).

وتعني المقاربة الماركسية لـ(لينين صحفياٍ)، من بين أمور أخرى، إعادة تقييم عمله لا كأداة للدعاية الثورية حسب، وإنما، أيضا، كشكل من التحليل الفكري ومعرفة سمات وتعقيدات عصره. ويتطلب هذا بحثا في كتاباته ونشاطه كصحفي في السياق الأوسع للنظرية الماركسية والممارسة السياسية. ولابد من تحليل الكيفية التي استخدم بها لينين الصحافة لنشر الأفكار الثورية وتأسيس الحركات السياسية، وتحدي بنى السلطة القائمة. ونرى أن الجوانب الأساسية لإعادة التقييم هذه تتضمن: أسلوب لينين الصحفي ولغته، واستخدامه الصحيفة كأداة للتعبئة السياسية، ودور الصحافة في صياغة الحركة البلشفية والثورة الروسية، وراهنية ستراتيجياته الصحفية بالنسبة للحركات الثورية والاشتراكية المعاصرة.

ولابد أن تبحث إعادة التقييم هذه في الكيفية التي ساعد فيها أسلوب لينين في الكتابة، واستخدامه البلاغة، واهتمامه بالجمهور، على نشر الأفكار الثورية. وتبحث، من ناحية أخرى، في الكيفية التي طبق فيها النظرية الماركسية على الأوضاع الملموسة. وقد عرف لينين بأسلوبه الجدلي، واللجوء، أحيانا، الى لغة حادة ونزعة كاريكاتورية في مهاجمة خصومه. وغالبا ما اعتمدت كتاباته على أمثلة من الأدب والتاريخ الروسي لإضاءة أفكاره.

ولم تكن صحافة لينين مجرد ممارسة أكاديمية، بل أداة لبناء الوعي السياسي، وتنظيم العمال، وتحدي الوضع القائم. وفي سياق تحليله للاقتصاد الروسي جادل لينين بأن الرأسمالية في روسيا كانت تتطور. واستنتج أن الامبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية، وأنها سبب رئيسي للحرب والاستغلال. وأسهمت جهود لينين الصحفية في تنمية وتطوير الحزب البلشفي وبرنامجه الثوري. واهتم لينين بالتفاعل مع الفصائل الأخرى داخل وخارج الحركة الثورية، ويشتمل هذا على جدالاته مع المناشفة (الأقلية)، ونقده الأحزاب الاشتراكية الأخرى، ومساعية لاقامة تحالفات سياسية واجتماعية.

وساعدت صحافة لينين على خلق الظروف المناسبة للثورة الروسية واستيلاء البلاشفة على السلطة. ويشتمل هذا على تحليل نقده للنظام القيصري، ونداءاته للثورة الاشتراكية، ومساعيه لتعبئة الطبقة العاملة والقوى الثورية الأخرى.

وعلى الرغم من أن تجربة الاشتراكية في روسيا انتهت الى الفشل، فان نظريات لينين وأفكاره ماتزال تواصل الالهام وإثارة الجدل والأسئلة، والتأثير العميق على مسار الحركة الشيوعية وعلى المشهد السياسي العالمي. ويمكن القول، بثقة، إن إرث لينين مايزال حيا. وفي عصر العولمة يتسم تحليل لينين للرأسمالية ونقده للإمبريالية براهنيته.

مهمتنا العاجلة

في مقالة (مهمتنا العاجلة)، المنشورة في 1899، حدد لينين المضمون الرئيسي للصحافة الثورية: نقل المثل الاشتراكية إلى الحركة العفوية، وصهر الحركة العفوية داخل نشاط الحزب الثوري، إذ قال أن "مهمة الاشتراكية الديمقراطية هي نقل المثل الاشتراكية الأساسية إلى حركة الطبقة العاملة العفوية، وربط هذه الحركة بالمعتقدات الاشتراكية التي ترقى إلى مستوى العلم المعاصر، وربطها بالنضال السياسي المنتظم من أجل الديمقراطية كوسيلة لبلوغ الاشتراكية – باختصار لصهر هذه الحركة العفوية في كل واحد غير قابل للتدمير في نشاط الحزب الثوري. إن تاريخ الحركة الثورية والديمقراطية في أوروبا الغربية، وتاريخ الحركة الثورية الروسية، وخبرة حركة طبقتنا العاملة هذه هي المادة التي ينبغي استيعابها لخلق منظمة هادفة وتكتيكات هادفة لحزبنا. وينبغي أن يتم "تحليل" هذه المادة بصورة مستقلة طالما لا توجد نماذج جاهزة يمكن العثور عليها في أي مكان…".

وشدد لينين على لفظ "تحليل"، ليؤكد على ضرورة تحليل الخبرات وليس سردها من أجل الوصول إلى تكتيكات صحيحة للثوريين بصدد الحركة. وفي فقرات تالية من ذات المقالة نظر الى المهمة الرئيسية العاجلة للمجلة، على أنها الطريق الوحيد لحل المعضلات والمسائل الرئيسية التي تواجه الاشتراكيين الديمقراطيين في روسيا في ذلك الوقت.

وأكد لينين، في أكثر من موضع، المهمة الرئيسية المنوطة بالمجلة الناظمة، أي حل معضلات الحركة أمام الثوريين وتقديم إجابات عملية واقعية وملموسة لسؤال: ما العمل؟ ونقد في هذا السياق الميول التي تزدري دور النظرية والتحليل السياسي، وتؤدي، بالتالي، إلى قطع الصلة بين الاشتراكية والحركة العفوية. وفي البيان التأسيسي للإيسكرا الذي كتبه عام 1900، قال ".. إن الممارسة الضيقة، المنفصلة عن الوضوح النظري للحركة ككل، قد تدمر الصلة بين الاشتراكية والحركة الثورية في روسيا من جهة والحركة العفوية للطبقة العاملة من جهة أخرى..".

وفي موضع آخر من البيان كتب في سياق تحديده لمهام المجلة ".. واحدة من المهام الأساسية تلك هي تحليل هذه الحركة العفوية – بين جماهير العمال وبين الانتلجينسيا على حد سواء – وعلينا أن نحاول فهم الحركة الاجتماعية للمثقفين، تلك الحركة التي ميزت أواخر التسعينيات في روسيا وضمت تيارات مختلفة وأحيانا متعارضة. علينا أن ندرس بعناية أشكال وظروف يقظة العمال والنضالات المحتدمة الآن لكي نتمكن من توحيد حركة الطبقة العاملة الروسية مع الاشتراكية الماركسية التي بدأت تضرب جذورها في الأرض الروسية، في كل واحد متكامل لكي يكون بمقدورنا ربط الحركة الثورية الروسية بالنهوض العفوي للجماهير الشعبية. وعندما يتحقق هذا الارتباط وحسب يمكن تأسيس حزب الطبقة العاملة الاشتراكي الديمقراطي في روسيا، لأن الاشتراكية الديمقراطية لا تقوم لمجرد خدمة حركة الطبقة العاملة العفوية مثلما يميل إلى الاعتقاد بعض "عمالنا العمليين" اليوم أحيانا – بل دمج الاشراكية بحركة الطبقة العاملة وهذا الدمج وحده هو الذي سيمكن البروليتاريا الروسية من تحقيق مهمتها السياسية العاجلة – تحرير روسيا من الاستبداد والأوتوقراطية..".

داعية ومحرض ومنظم جماعي

لقد ربط لينين تماما في ذلك الوقت ما بين اتساع الحركة الاشتراكية الديمقراطية الثورية في روسيا وصعود الصراع الطبقي هناك، وبين ضرورة تأسيس منظمة مركزية وجريدة ناظمة يعملان على توحيد وعي وحركة الثوريين بهدف النشاط السياسي وقيادة النضالات الطبقية. وقال ".. إننا اليوم في وضع يسمح لنا بتأمين منبر ينبغي أن يكون صحيفة اشتراكية ديمقراطية. إن الطبقة العاملة الروسية. خلافا لسائر طبقات وفئات المجتمع الروسي، تبدي اهتماما ثابتا بالمعرفة السياسية وتعبر عن طلبها المستمر والواسع، (لا في فترات الاضطرابات المكثفة فقط) على الأدبيات السرية. وعندما يكون مثل هذا الإقبال الجماهيري واضحا، وعندما يكون تدريب القادة الثوريين المجربين قد بدأ، وعندما يجعل تمركز الطبقة العاملة منها السيد الفعلي في الأحياء العمالية في المدن الكبرى وفي المستوطنات والمجمعات العمالية، يضحي تأسيس جريدة سياسية أمرا في مقدور البروليتاريا تماما، وبواسطة البروليتاريا ستتغلغل الجريدة إلى صفوف البرجوازية الصغيرة في المدن والحرفيين والفلاحين في الريف وتصبح جريدة سياسية شعبية حقا. بيد أن دور الجريدة لا يقتصر على مجرد نشر الأفكار، على مجرد التربية السياسية واجتذاب الحلفاء السياسيين..".

وأضاف قائلا بشأن مشروع الصحيفة "هل يمكن الاقتصار على الدعاية لفكرة عداء الطبقة العاملة للأوتوقراطية؟ كلا، طبعا. فلا يكفي أن نبين للعمال أنهم مضطهَدون سياسيا – مثلما لا يكفي أن نبين لهم أن مصالحهم تتناقض مع مصالح أصحاب الأعمال – إن من الضروري أن نقوم بالتحريض بصدد كل مظهر ملموس من مظاهر هذا الاضطهاد – مثلما شرعنا بتحريضنا ضد مظاهر الاضطهاد الاقتصادي الملموسة – ولما كان هذا الاضطهاد يمس شتى طبقات المجتمع على اختلافها، ويتجلى في ميادين الحياة والنشاط: المهنية والعامة والخاصة والعائلية والدينية والعلمية. إلخ، أفليس من الواضح أننا لن ننجز مهمتنا، في تطوير وعي العمال السياسي، إن لم نأخذ على عاتقنا أمر تنظيم الفضح السياسي للأوتوقراطية بصورة شاملة؟ ولغرض القيام بالتحريض على أساس مظاهر الاضطهاد الملموسة، لا بد من فضح هذه المظاهر – مثلما يقضي التحريض الاقتصادي بفضح الانتهاكات في المصانع..".

وتحدث عما يحتاجه العمال، جمهور الصحيفة المنتظر، قائلا: "نحن نريد أن نعرف كل ما يعرفه الآخرون، نريد أن نتعلم تفاصيل كل مناحي الحياة السياسية، وأن نساهم بنشاط في كل حدث سياسي مهما كان وهذا يتطلب من المثقفين أن يقللوا من تكرار ما نعرفه نحن أنفسنا، ويحدثونا أكثر عما لا نعرفه حتى الآن، وما لا نستطيع أبدا أن نتوصل إلى معرفته عبر تجربتنا المصنعية والاقتصادية، ونعني المعرفة السياسية. تستطيعون أنتم معشر المثقفين أن تحصلوا على هذه المعرفة، وأنكم لملزمون بأن تقدموها لنا بأكثر مما فعلتم اليوم بمائة ألف بل بألف ألف مرة.."

ومن بين المسائل الأساسية التي أكد عليها لينين في مقاله الهام (بم نبدأ) أن "الجريدة ليست فقط داعية جماعيا ومحرضا جماعيا، بل هي في الوقت نفسه منظم جماعي. ومن هذه الناحية الأخيرة يمكن أن تقارن بالسقالات التي تنصب حول البناية التي يجري تشييدها، فتشير إلى معالم البناية وتسهل الاتصال بين البناة وتساعدهم على توزيع العمل بينهم وعلى رؤية مجمل النتائج التي أحرزها العمل المنظم ".

الإيسكرا: من الشرارة يندلع اللهيب

يمكننا أن نوجز سمات ومهمات صحيفة (الإيسكرا)، التي تعني (الشرارة)، والتي صدر عددها الأول في أوائل كانون الأول من عام 1900، باعتبارها أداة أساسية في بناء الحزب الثوري الطليعي. وأدت مهمة منصة لنشر الفكر الماركسي وتنظيم الطبقة العاملة خصوصا ضد "الاقتصادويين". كما أكدت أهمية الكفاح السياسي والحاجة الى حزب ثوري لقيادة البروليتاريا نحو الاشتراكية.

وكانت الإيسكرا أكثر من مجرد صحيفة، فقد كانت مشروعا أساسيا بالنسبة للينين ولحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي لتوحيد الحزب ورفع الوعي السياسي للطبقة العاملة وتهيئتها للثورة الاشتراكية.

وانتقدت الإيسكرا بقوة "النزعة الاقتصادية" التي ترى أن على العمال أن يركزوا على المطالب الاقتصادية مثل الأجور وظروف العمل، متجاهلة الكفاح السياسي الأوسع. وجادل لينين بأن هذا لن يؤدي الا الى مستوى محدود من القضايا الاتحادية النقابية، ولن يكون كافيا لتحدي الرأسمالية والطبقة الحاكمة.

وأكدت الإيسكرا على الحاجة الى حزب طليعي يتسم بالتنظيم، ومجموعة من الثوريين المحترفين المتسمين بالانضباط لقيادة الكفاح السياسي ورفع المستوى العام لوعي الطبقة العاملة.

ومارست الإيسكرا دورا أساسيا في صياغة موقف البلاشفة في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي ومنهجه الثوري. وقد أصبحت أفكار لينين التي جرى التعبير عنها في مؤلفه (ما العمل؟)، وعبر الإيسكرا، أساسية بالنسبة لستراتيجية البلاشفة في الاستيلاء على السلطة.

وكان شعار الإيسكرا "من الشرارة يندلع اللهيب"، وهو سطر من الرد الذي كتبه ألكسندر أودويفسكي على قصيدة بوشكين الموجهة الى الديسمبريين المناهضين للقيصر، الذين كانوا معتقلين في سيبيريا.

لقد كان البيان التأسيسي لهيئة تحرير الإيسكرا يشبه اعلان حرب ضد جميع الاتجاهات الاصلاحية في الحركة العمالية الروسية، وبشكل خاص ضد "الاقتصادويين". وأدرك لينين أن جوهر الحزب السياسي يتمثل في أفكاره، وفلسفته المرشدة، وبرنامجه، ومنهجه. أما التنظيم فليس سوى أداة لنقل هذه الأفكار الى حركة عمالية أوسع.

ومن هنا طرح البيان التأسيسي مسألة الوضوح السياسي لاعادة بناء الحزب. وقد جاء فيه "إن تأسيس وتعزيز الحزب يعني تأسيس وتعزيز الوحدة بين جميع الاشتراكيين الديمقراطيين الروس. ومثل هذه الوحدة لا يمكن تحقيقها بمرسوم، أو بقرار لاجتماع المندوبين، بل ينبغي العمل والكفاح من أجلها. ومن الضروري، في المقام الأول، العمل من أجل الوحدة الفكرية الصلبة التي يتعين أن تزيل الخلافات والارتباكات التي – ولنكن صريحين – تسود بين الاشتراكيين الديمقراطيين الروس في الوقت الحاضر. وينبغي تعزيز هذه الوحدة الفكرية عبر برنامج الحزب".

وبدلا من دعوة الاتجاهات المختلفة في الحركة الى أن تلتقي تحت خيمة واحدة، جادل لينين بأن الأساس الواقعي الوحيد لحزب ثوري موحد هو الاتفاق على أفكاره ومبادئه الأساسية. وكما أوضح في (ما العمل؟) فانه: لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية.

ونجد المثال على مقاربة لينين في مقالته الشهيرة (بم نبدأ)، التي نشرت في العدد الرابع من الإيسكرا. ففيها كشف لينين عن نتائج أفكار "الاقتصادويين" في التطبيق العملي: حالة تشظي القوى الثورية، واستغراق الثوريين في عمل محلي صرف، وسلوكهم غير الناضج الذي ينجم عن ذلك.

ومن المعلوم أنه في عام 1903 وفي أعقاب انقسام حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي سعى بليخانوف الى المصالحة مع أعضاء الحزب المنشقين، الذين انسحبوا من التصويت لتقليص عدد مقاعد هيئة التحرير من ستة الى ثلاثة، واختار أن يسمي ثلاثة أعضاء كلهم من المناشفة. وقد استقال لينين قبل أن يجري حسم الترشيحات تاركا الإيسكرا تحت هيمنة المناشفة.

كانت المهام الأساسية للإيسكرا في رأي لينين وقتها، هي، كما أشرنا، تحليل الحركة العفوية، وفهم الحركات الاجتماعية للمثقفين، والدراسة المعتنية للأشكال التي تتخذها النضالات العمالية المحتدمة في ذلك الوقت، وهذا كله بهدف أداء المهمة الثورية الرئيسية، أي دمج الاشتراكية بحركة الطبقة العاملة. فهو لم يكن يتفق مع "عمالنا العمليين" في الاعتقاد بأن مهمة الحركة الاشتراكية هي خدمة الحركة العفوية للطبقة العاملة!! وأكد مجددا على أهمية أن تقوم الإيسكرا  بالتحليلات النظرية للظواهر الملموسة وطرح القضايا السياسية والتنظيمية، معارضا بذلك التصور القائل بإحالة هذه القضايا إلى مطبوع دوري آخر مستقل: ".. نود أن نؤكد بشكل خاص معارضتنا للتصور القائل بأن على أي صحيفة عمالية أن تكرس صفحاتها للشؤون الآنية المتعلقة مباشرة بالحركة العفوية للطبقة العاملة فقط، وترك كل شيء يتعلق بالنظرية الاشتراكية والعلم والسياسة وقضايا التنظيم الحزبي... إلخ إلى مطبوع دوري موجه للمثقفين. إن الضرورة تتطلب ما هو عكس ذلك، فعليها أن تربط كل الحقائق والظواهر الملموسة لحركة الطبقة العاملة بالقضايا المشار إليها. إن نور النظرية ينبغي أن يسلط على كل حقيقة قائمة بذاتها، أما الدعاية للقضايا السياسية والتنظيم الحزبي فينبغي أن تقوم به وسط أوسع جماهير الطبقة العاملة…".

وأكد لينين على أهمية وضرورة جانب آخر للإيسكرا في البيان التأسيسي، وهو أن على الإيسكرا أن تكون ذات اتجاه مستقل وموحد ومحدد تماما في جميع القضايا، وأن لا تتحول إلى خليط من الآراء المتضاربة، قائلا ".. وهنا تبرز بالطبع، هذه المسألة: إذا كانت المطبوعات المقترحة تستخدم أهداف توحيد كل الاشتراكيين الديمقراطيين الروس وتدمجهم في حزب واحد، فلا بد لها أن تعكس كل ألوان الرأي، كل الخصائص المحلية المحدودة، وكل الطرائق العملية على اختلافها. ولكن كيف نستطيع الجمع بين وجهات النظر المختلفة والحفاظ على سياسة تحرير منسجمة لهذه المطبوعات؟ أتكون هذه المطبوعات مجرد خليط من وجهات نظر متضاربة؟ أم ينبغي أن يكون لها اتجاه مستقل ومحدد تماما؟ أننا نتمسك بالرأي الثاني، ونأمل أن تبرهن الصحيفة ذات الاتجاه المحدد على أنها ملائمة تماما لغرض التعبير عن مختلف وجهات النظر وللنقاش الرفاقي بين المساهمين فيها..".

وربط لينين بين ضرورة أن يكون للصحيفة اتجاه موحد ومستقل وبين مهمة توحيد المواقف المختلفة للاشتراكيين، وذلك بأن تحافظ الصحيفة على استقلالية ووحدة مواقفها وبين أن تسمح على صفحاتها بالمساجلات بين الرفاق. وكتب يقول إننا "لا ننكر وجود الاختلافات، ولن نحاول إخفاءها أو طمسها بل على العكس من ذلك نريد لمطبوعاتنا أن تصبح منبرا لمناقشة كل القضايا من قبل جميع الاشتراكيين الروس على اختلاف وألوان آرائهم. أننا لا نرفض المساجلات بين الرفاق، بل نحن على العكس من ذلك، مستعدون لأن نخصص لهم مجالا واسعا على أعمدة صحفنا..".

وفي بيان هيئة تحرير الإيسكرا الذي صدر ككراس مستقل عام 1901 أكد لينين على أهمية أن تناقش الصحيفة جميع القضايا من وجهة نظر مستقلة وموحدة، وأن تضع حدودا فاصلة ومميزة لمواقفها، وذلك لكي تكون قادرة على النضال ضد التشوش السائد، وتوحيد مواقف الاشتراكيين. إلا أن عليها أن تخصص مساحة للمساجلات، على أساس كونها مساجلات وليست كمواقف للمجلة. وأكد أنه "كما سبق وقلنا، فإن الوحدة الآيديولوجية للاشتراكيين الديمقراطيين الروس مازالت بانتظار خلقها، وفي سبيل ذلك فإن من الضروري في تقديرنا الشروع بنقاش مفتوح وشامل للقضايا الجوهرية المتعلقة بالمبادئ والتكتيكات التي يطرحها اقتصاديو ونقاد اليوم البيرنشتانيون. ولا بد لنا، قبل أن يكون بوسعنا أن نتوحد ومن أجل أن نكون قادرين على التوحيد، أن نضع حدودا ثابتة وفاصلة متميزة. وإلا فإن وحدتنا ستكون وحدة موهومة تماما وستخفي البلبلة السائدة وتعرقل عملية اجتثاثها من جذورها. من الواضح أننا لا ننوي تحويل مطبوعاتنا إلى مجرد مستودع للآراء المتضاربة. بل على العكس، أننا عازمون على أن نوجهها بروح الاتجاه المحدد بوضوح تام. ورغم أننا سنناقش جميع المسائل من وجهة نظرنا الواضحة إلا أننا سنخصص مساحة كافية في صحافتنا للمساجلات التي تدور بين رفاقنا..".