اخر الاخبار

البداية بالصمت حتى تتطور الأوضاع باتجاه يخلق واقعا إنسانيا لا يمكن السكوت عليه وتصبح الدعوة او الضغوط من أجل وقف إطلاق النار والجلوس إلى مائدة التفاوض أمرا لا مناص منه. هكذا تصرخ وسائل الإعلام صباح مساء، في وقت تتواصل فيه العمليات بالتركيز على الأعيان المدنية والبنى التحتية للبلاد. بينما الطائرات المسيرة تخترق سماء السودان من ناحية والمضادات الأرضية تتصدى لها من الناحية الأخرى. والدول التي تعرف اجهزة استخباراتها من أين تنطلق تلك المسيرات ومن أين جاءت، والجهة التي قدمتها، بل حتى الشركات التي توسطت في استجلابها ومستحقاتها المالية بما فيها عمولات السماسرة المحليين والدوليين مثل الاتحاد الأوربي، تكتفي بإصدار بيانات إدانة ومطالبة طرفي النزاع بإنهائه. مع تقديم بيانات يمكن أن يحصل عليها أي صحفي مبتدئ حول الآثار الاجتماعية لاستمرار الصراع. بينما الضربات تتوالى. ودول أخرى تصدر بيانات الإدانة بيد وتبيع باليد الأخرى الطائرات وأجهزة التشويش المضادة لها مثل الصين.

إذن الصراع السوداني بدأ ليستمر حتى يحقق أهدافا دولية قد تم الإعلان عنها من قبل. وهي جمع أطراف النزاع بمن فيهم الذين أجرموا في حق الشعب السوداني على صعيد واحد. هكذا قدم السيد لي مان، مبعوث الرئيس الأمريكي للسودان وجنوب السودان، وصفته لحل الصراع في السودان عام ٢٠١٢ وتبنتها دول "الترويكا" التي جمعت المعارضة السودانية عام ٢٠١٦ في برلين للخروج بموقف موحد يدعم المشاركة في نظام الإنقاذ. وحين اعترض سكرتير الحزب الشيوعي السوداني وطالب بإسقاط النظام قالت له ممثلة المانيا (نحن لم نأت بكم لتتحدثوا عن إسقاط النظام على حساب دافع الضرائب في بلادنا).

هذا المخطط، الذي قطعت عليه الطريق ثورة ديسمبر ٢٠١٨ التي أسقطت نظام الإنقاذ، لا توجد مؤشرات على أن الجهات الدولية التي تقف خلفه قد تخلت عنه. فهم كانوا يقصدون بالذين أجرموا في حق الشعب السوداني وقتها، وكما جاء على لسان المبعوث الأمريكي السيد لي مان، قوات الدعم السريع. وقد ظهر هذا الحل وقتها أمام بعض الفاعلين السياسيين المحليين وكأنه ينطوي على قدر من الحكمة. في حين أن التسوية التي يقدمها ليست في الحقيقة بين مكونات الصراع الداخلية ولكنها تسوية بين الفاعلين الدوليين والإقليميين الذين يقفون خلف القوى الداخلية، وهو حل يستجيب لمصالح القوى الدولية والإقليمية في السودان وفي المنطقة ولكنه يبقي أسباب النزاع الداخلي. إنهم بدعوتهم للتوافق بين أطراف النزاع يبذرون بذور الحرب، بل الحروب القادمة، ويعجلون بخراب ما تبقى من الدولة السودانية. لأن مثل هذا التوافق إن دخل حيز التطبيق فإنه سيبقي على قوات الدعم السريع داخل المنظومة الأمنية والعسكرية، ناهيك عن وجودها ضمن التركيبة السياسية. وهذا يعني وجود دولة تكون القوة الجبرية فيها ليست محتكرة للدولة. كما أن الدولة نفسها ليست موحدة والانقسام فيها سيكون الأغرب لأنه لا يقوم على أساس الطائفة او الدين ولكنه يقوم على أساس القوة العسكرية. وهي دولة لا يمكن الحديث فيها عن سيادة حكم القانون على أقل تقدير كأحد اهم مطلوبات وقف النزاع.