اخر الاخبار

الأول من ايار، يوما لا كل الأيام يتوحد فيه العالم برغم كل الاختلافات، والسبب كما ترى الماركسية وحدة ظروف العمل وتشابه المشتركات، كلها عوامل تخلق الطبقات، وتوحد أصحاب المصالح الجوهرية وتنشئ التناقضات، والاهتمام بهذا اليوم يذكرنا بمعاناة العمال على مدى اجيال، ويمدنا كل عام، بأسباب اقامة هذا الكرنفال.

الأساس التأريخي ليوم العمال

كان لحلول عصر التنوير أواخر القرن السابع عشر على إثر عصر النهضة ضد الملكية والكنيسة وأصحاب المصالح الاقتصادية من الاقطاعيين وأصحاب السلطة السياسية  وما تلاه من قيام الثورة الصناعية في أوربا الغربية ، تلك الثورة التي أتت على الأفكار الدينية والتي انتقلت بالعالم من الأفكار القديمة إلى عالم خلق الحاجات واقامة التصنيع، وتحولت الحياة الاجتماعية من مرحلة الإيمان بالغيبيات على يد الكنيسة وما لها من تأثير على طاقات العالم المادية إلى الإيمان بقوة المصانع وضوضاء الماكنات، وقد كان لأفكار  أصحاب المدرسة التقليدية أثرها المباشر في عملية تكوين الرأسمال وتحوله إلى عدو لدود لقوى العالم المنتجة واستغلاله لقوة عملها محققا ما يطلق عليه بفائض القيمة التي جاءت بنظريتها المدرسة الماركسية الحديثة، التي تحولت فيما بعد إلى معين يمد تلك القوى المنتجة بالقوة للدفاع عن مصالحها الطبقية، وهكذا تشكل أول اتحاد للعمال، يقول ماركس في كتابه بؤس الفلسفة في معرض رده على برودون  ( ص167--168 طبعة بيروت ) إن أول محاولات العمال ليتجمعوا مع بعضهم كانت على شكل اتحادات، وان الأحوال الاقتصادية حولت مجموعة سكان القرى إلى عمال، وخلق اتحاد رأسمال لهذه المجموعة حالة عامة ومصالح عامة وهذه المجموعة بحد ذاتها طبقة ضد الرأسمال، ففي هذا الصراع تتحد هذه المجموعة وتشكل طبقة لنفسها وتصبح المصالح التي تدافع عنها مصالح طبقة، لكن صراع طبقة ضد طبقة يكون صراعا سياسيا، وقد تجسدت أفكار ماركس هذه في حركات العمال الثورية التي بدأت في أوربا الغربية وقد كانت الشرارة من مدينة برمنكهام والتي تعد أول مدينة صناعية في العالم تلتها مانشستر مركز صناعات النسيج .

بريطانيا ونشوء الحركات العمالية

 أشكال التنظيمات العمالية في بريطانيا التي تبنت أول حركات العمال إلى جانب مجموعة سياسية نشطة أطلق عليها بمجموعة  ( شهداء تولبودل The Tolpuddle Martyrs) عام 1834 ---  1848 ، والتي كونت بدورها ما أطلق عليه بالحركات الچارتية او ( الحركات الميثاقية chartism movements ) مشتقة من كلمة ميثاق بالإنكليزية، وكانت هذه الحركة تنادي بالإصلاح السياسي تحت رؤية ميثاق الشعب، وتعد أول حركة عمالية حاشدة في العالم،  وكان لانتشار افكار هذه الحركة وصدور البيان الشيوعي عام 1848، والذي جاء فيه ما يحرض العمال على الثورة الأثر الحقيقي في تقوية شوكة العمال، وقد جاء في البيان الشيوعي ، أن البرجوازية لم تصنع فحسب الأسلحة التي تودي بحياتها بل أنجبت الرجال الذين يستعملون هذه الأسلحة العمال المضربين او البروليتاريين ، وقد أخذت هذه الحركات تنمو وتتطور ، وراحت تتنظم لتخلق أول اشكال التنظيم النقابي ، ولعل الاستغلال الرأسمالي البشع للشغيلة وإنكار دور قوة عملها وما لهذه القوة الانتاجية من دور مهم في نمو المصانع وتراكم رأس المال، وقد تشكلت التنظيمات العمالية بفعل عوامل وحدة الظروف الانتاجية او ما اطلقت عليه الماركسية بالطبقة العاملة التي وحدتها ظروف العمل وجمعتها التنظيمات النقابية الحديثة التي رفعت العلم الأحمر لأول مرة في التاريخ والذي نال تأييد الحركات الاشتراكية العالمية والذي انتقل بدوره إلى العالم الجديد مع هجرة البريطانيين إلى شمال القارة الأمريكية، وبعد قيام النهضة الصناعية في الولايات المتحدة انتقلت أمراض الرأسمالية المزمنة إلى هذه البلاد بعد توحيدها والقائمة على الاستغلال الرأسمالي للطبقة  العاملة.

العمال وظروف العمل  في الولايات المتحدة

كان لطول ساعات العمل التي تربط ظلام الفجر ببدايات الليل، ولسوء ظروف الانتاج في مصانع أوربا ومعامل الولايات المتحدة، ولسوء حالة العمال المعاشية جراء أجر الكفاف، أن بدأت حركة عمالية نقابية مطلبية، تطالب بتخفيض ساعات العمل إلى عشر ساعات أول الأمر، وزيادة الأجور بعد أن كان أجر العامل 1،5دولار لعمل يوم واحد ولمدة تفوق العشرة ساعات، وتوفير مستلزمات الأمن الصناعي حفاظا على أرواح العمال. كل هذه العوامل يضاف إليها انتشار الفكر اليساري في العالم الجديد، أن توحدت جموع العمال تحت قيادة اتحاد نقابات العمال في تلك الولايات ودعا الأخير عام 1886 إلى اضراب في الأول من أيار المطالبة بأن يكون يوم العمل محددا فقط بثماني ساعات وقد شارك في هذا الإضراب ما يناهز نصف مليون عامل، وفي الثالث من أيار اقتحمت الشرطة موقع الاضراب وقد تم جراء الاقتحام قتل ثلاثة عمال في مدينة شيكاغو حيث تظاهر أكثر من أربعين ألف عامل، وفي اليوم التالي واثناء التجمع العمالي الحاشد انفجرت قنبلة بين الحشود، قتل على إثر الانفجار سبعة من أفراد الشرطة وعدد من العمال المضربين إضافة إلى عدد كبير من الجرحى، وفي العام 1887 تمت إحالة عدد من العمال إلى المحاكم، وتم الحكم بالإعدام على أربعة منهم، وظل العمال في تناحر مستمر مع السلطات الحكومية ثأرا للعمال.

الأممية الثانية والاحتفال بعيد العمال

تشكلت الأممية الثانية في باريس في الرابع عشر من تموز عام 1889 على إثر الأممية الأولى ، وقد كتب إلى مؤتمرها رئيس اتحاد نقابات العمال في الولايات المتحدة داعيا إياها إلى توحيد نضال العمال وطالبها بمطالبة الدول لتحديد ساعات العمل، وبفعل زخم الحركة الشيوعية العالمية بفضل البيان الشيوعي المكرس لحقوق العمال فقد قرر المؤتمر الاستجابة لهذه المطالب، وفي عام 1904 دعا مؤتمر الاشتراكية الدولية المنعقد في مدينة امستردام جميع المنظمات والنقابات العمالية في جميع أنحاء العالم سيما المنظمات الاشتراكية منها إلى عدم العمل في اليوم الأول من أيار من كل عام، والعمل على جعله عطلة وطنية في كل دول العالم، وفي عام 1935 باركت الكنيسة الكاثوليكية هذا اليوم، واعتبرته عيدا مقبولا،  وقد كان لهذه المباركة أن شكلت زخما إضافيا لقوة تأثير الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والعمالية على عواصم العالم ، أما في الولايات المتحدة فقد تم الاعتراف بهذا اليوم ولكن جعلته في الاثنين الأول من ايلول من كل عام، وقد اسمته عيد العمل ( لا عيد العمال ) وقامت كندا هي الأخرى بتسميته بيوم العمل تبعا للولايات المتحدة، غير أن الشيوعيين والاشتراكيين الأمريكيين ونقابات العمال ظلوا جميعا يحتفلون في الأول من ايار من كل عام على أنهم عيدهم الوطني الأمر الذي دفع بالكونغرس الأمريكي، وفي خضم المظاهرات العارمة التي اندلعت في كل من ولايتي شيكاغو وسياتل ومدينة نيويورك وولايات أخرى، نعم  ، دفعت هذه الحركات الشعبية بالكونغرس بإصدار قرار عام 1958 أعتبر فيه هذا اليوم  يوم وفاء لذكرى شهداء ولاية شيكاغو،  وأعلن اثر ذلك الرئيس الأمريكي آنذاك الجنرال آيزينهاور أن الأول من أيار من كل عام إجازة رسمية .

الآثار القانونية للاعتراف بحقوق العمال

كان لنضال الطبقة العاملة في عموم كوكبنا، أن تم الاعتراف بالأول من ايار من كل عام عيدا عالميا تخطت فيه تلك الطبقة وحدة الدول وسيادتها إلى وحدة الطبقة العاملة وتشابه ظروف عملها، وكان لذلك النضال أن توج العالم اعترافه بحقوقهم في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وانشأت الامم المتحدة منظمات تعتني بالعمال وتصدر اللوائح والتعليمات، لتطبيق مفاهيم حق العمل وحق تحديد الساعات، وحق العامل للعمل في ظروف تليق بالإنسان، وحقه في تشكيل النقابات، وحق الإضراب والاعتصام. وصارت الدول تصدر قوانين العمل وتلتزم بالتشريعات.

إن يوم الأول من أيار صار رمزا لوحدة العالم رغم تباين الأنظمة الاقتصادية واختلاف النظم السياسية، وأصبح عيدا تحتفل به جميع الامم، (سمي بعيد العمال) ترفع فيه قامة العامل ويقام فيه الاحتفال، بورك العيد وبورك الكرنفال.