اخر الاخبار

تُعَدُّ قضية المرأة إحدى القضايا الرئيسية التي شغلت الفكر الماركسي منذ نشأته في القرن التاسع عشر، حيث تم الكشف عن ارتباطها بالبنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، المنتجة للاضطهاد الاجتماعي.

الأساس الفكري لاضطهاد النساء

تعتبر الماركسية النظام الاقتصادي والاجتماعي المحدد الرئيسي للأدوار الاجتماعية والعلاقات الإنسانية. وانطلاقًا من هذا الأساس، يرى ماركس وإنجلز أن اضطهاد المرأة ليس ظاهرة طبيعية أو أبدية، بل هو نتاج تاريخي نشأ مع ظهور الملكية الخاصة. ففي كتاب "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة"، يُرجع إنجلز ظهور التفاوت بين الجنسين إلى الانتقال من المجتمعات المشاعية إلى المجتمعات الطبقية، حيث بدأت المرأة تفقد مكانتها مع هيمنة النظام الأبوي.

يشير إنجلز إلى أن العمل المنزلي غير المأجور الذي تقوم به المرأة هو شكل من أشكال الاستغلال الاقتصادي، مما يجعلها تعتمد اقتصاديًا على الرجل. ومن هنا، اعتبرت الماركسية تحرير المرأة مرتبطًا بتحرر المجتمع بأكمله من الاستغلال الطبقي، وأن للقضية بعدًا تاريخيًا، مؤكدة على أن تطور المجتمعات وانهيار الأنظمة الاستغلالية يمكن أن يعيد التوازن بين الجنسين.

المرأة والعمل في السياق الرأسمالي

مع تطور الرأسمالية، دخلت المرأة سوق العمل بكثافة، ولكنها واجهت أشكالًا جديدة من الاستغلال. فقد استخدمت الرأسمالية النساء كأيدٍ عاملة رخيصة، ما جعل النساء يتحملن عبء العمل المزدوج: العمل المدفوع الأجر والعمل المنزلي غير المدفوع الأجر. يرى الماركسيون أن هذا الوضع يعكس الطابع الاستغلالي للرأسمالية، حيث تُستغل المرأة لتحقيق الربح على حساب حقوقها ورفاهيتها.

ولم تقتصر المشكلة على استغلال النساء كأيدٍ عاملة رخيصة، بل امتدت إلى حصرهن في وظائف ذات طابع تقليدي أو منخفضة الأجر، مثل التعليم والرعاية الصحية. علاوة على ذلك، تعززت الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء، مما زاد من ترسيخ التفاوت الاجتماعي. ومن هنا، ركزت الماركسية على ضرورة إدماج النساء في القطاعات الاقتصادية المنتجة وإلغاء التمييز ضدهن لضمان مساهمة حقيقية لهن في تطور المجتمع.

التحرر في ظل الاشتراكية

تُعتبر الاشتراكية البوابة الأساسية لتحرير المرأة. ففي ظل النظام الاشتراكي، يُلغى استغلال الإنسان للإنسان، ويُعاد تنظيم العلاقات الاجتماعية على أساس المساواة. تعمل الاشتراكية على إدماج المرأة في جميع جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتضمن لها حقوقًا متساوية مع الرجل.

التجارب الاشتراكية في القرن العشرين قدمت نماذج ملموسة لتطبيق هذه الأفكار. فعلى سبيل المثال، في الاتحاد السوفيتي والصين، تم اتخاذ تدابير لتعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة والتعليم والسياسة. كما تم إنشاء بنى تحتية مثل رياض الأطفال والمطاعم الجماعية لتخفيف عبء العمل المنزلي على النساء. ورغم التحديات التي واجهتها هذه التجارب، مثل البيروقراطية وسباق التسلح، إلا أنها أظهرت إمكانية تحقيق خطوات عملية نحو تحرير المرأة. إضافة إلى ذلك، شجعت الأنظمة الاشتراكية النساء على المشاركة في صنع القرار من خلال الانخراط في الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية. هذا الإجراء ساهم في رفع وعي النساء بأهمية دورهن في بناء المجتمع، وجعل قضية المرأة جزءًا لا يتجزأ من الأجندة السياسية.

النقد والتحديات

واجهت التجارب الاشتراكية السابقة انتقادات لعدم تحقيقها المساواة الكاملة بين الجنسين. ففي العديد من الحالات، استمر تقسيم العمل التقليدي داخل الأسرة، ولم تتحقق تغييرات جذرية في البنى الثقافية والاجتماعية التي تعزز التمييز ضد المرأة. بالإضافة إلى ذلك، لم تنجح جميع السياسات الاشتراكية في تحدي الأنماط الثقافية الراسخة التي كانت تشكل عائقًا أمام المساواة. وعمومًا تظهر الماركسية أن قضية المرأة ليست منفصلة عن النظام الاجتماعي والاقتصادي، بل هي جزء من شبكة معقدة من العلاقات الطبقية والاستغلال.

وبرغم التحديات والنقد، تظل الماركسية إطارًا مهمًا لفهم جذور اضطهاد المرأة والسعي نحو تحريرها.