اخر الاخبار

تمرّ علينا الذكرى الخامسة والستون لانعقاد المؤتمر التأسيسي الأول لاتحاد الجمعيات الفلاحية في العراق، والذي صادف قبل شهر من صدور أول قانون لاتحاد الجمعيات الفلاحية، وفق القانون رقم (٧٨) لسنة ١٩٥٩.

ومع الإشارة إلى أن حزبنا الشيوعي، ومنذ صدور قانون الإصلاح الزراعي رقم (٣٠) في أيلول ١٩٥٨، كان قد بدأ بتحريك المئات من رفاقه وأصدقائه المتطوعين إلى القرى والأرياف التي يتواجد فيها أكثر من (٥٠) فلاحًا، وذلك لعقد اجتماعات تمهيدية بغرض التحضير لانتخابات الجمعيات الفلاحية، انطلاقًا من مبدأ أن الديمقراطية الشعبية هي الأساس لحماية الجمهورية الفتية وتطبيق قانون الإصلاح الزراعي.

وقد عُقد المؤتمر في ١٥/٤/١٩٥٩، وتم خلاله انتخاب هيئة مؤسسة للاتحاد العام من (٢٧) عضوًا، واتُخذت فيه جملة من القرارات، من أبرزها:

التأييد العام لثورة 14 تموز والدفاع عن النظام الجمهوري.

الدعوة لتطبيق قانون الإصلاح الزراعي بمشاركة ممثلي الجمعيات الفلاحية.

رصد المبالغ اللازمة لمساعدة الفلاحين وتجهيزهم بالبذور واللوازم الزراعية.

توفير مياه السقي اللازمة وتشغيل المضخات الزراعية التي عطّلها الإقطاعيون.

الحث على زيادة الإنتاج الزراعي وتحسين وتحديث الأساليب الزراعية.

لكن هذا التقدم في مسيرة القوى الديمقراطية، ومن ضمنها الاتحادات والنقابات والجمعيات، لم يَرُقْ للإقطاعيين والملاّك والبيروقراطيين في مؤسسات الدولة، الذين ظلوا يحنّون إلى النظام شبه الإقطاعي السابق للثورة. فبدأت التحركات المضادة، وكان أولها انسحاب ممثلي الحزب الوطني الديمقراطي (جماعة عراك الزكم)، ثم صدور قانون جديد لاتحاد الجمعيات الفلاحية، تحت الرقم (١٣٩) لسنة ١٩٥٩، الذي ألغى بموجبه القانون السابق رقم (٧٨) لسنة ١٩٥٩، وألغى بعض المواد المهمة، ومنها المادة التي كانت تخوّل الاتحاد صلاحية تأسيس الجمعيات، ونقل هذه الصلاحية إلى وزارة الداخلية.

وهكذا بدأت التدخلات الواسعة في شؤون الاتحاد، وبدأ أغنياء الفلاحين والسراكيل السابقون وبعض الملاّك بالسيطرة على الجمعيات في عدد من المناطق. ورغم ذلك، استمر رفاقنا الشيوعيون وأصدقاؤهم في العمل داخل الاتحاد، وخاضوا صراعات حقيقية من أجل أن يتولى فقراء الفلاحين إدارة الجمعيات والدفاع عن حقوقهم.

كانوا ينشرون الوعي بين صفوف الفلاحين، ويسعون إلى فضّ النزاعات بينهم، أو بينهم وبين الإقطاعيين والملاّك، الذين حاولوا التعدي على الأراضي الموزعة بموجب القانون، وقطع المياه عنها. كما خاضوا صراعًا متواصلاً مع المؤسسة البيروقراطية الزراعية الموالية للإقطاع والملاّك.

واستمر هذا الوضع حتى انقلاب ٨ شباط الأسود عام 1963، حيث استولى البعثيون على السلطة، ثم على مؤسسات الدولة، ولم يسلم الاتحاد من العبث والتخريب، إذ حُوّل إلى أداة في خدمة السلطة الحاكمة وأهدافها، فأُستخدم كأداة قمع ضد الفلاحين غير المنتمين لحزب البعث، وتحوّل إلى وسيلة لتحقيق مصالح كبار الملاّك وأغنيائهم، رغم وجود العديد من العناصر الوطنية الجيدة داخل صفوف الاتحاد.

وبعد سقوط نظام البعث عام ٢٠٠٣، أُعيد تشكيل الاتحاد، وأُجريت فيه أكثر من دورة انتخابية. إلا أن التدخلات الواسعة من قبل القوى السياسية والحكومية المتنفذة لا تزال مستمرة لتعطيل دوره. لكن ثبت أن هذه المحاولات لم ولن تجدي نفعًا.

وخير دليل على ذلك، استمرار العديد من الاتحادات المحلية في المحافظات بالدفاع عن مصالح الفلاحين، وأبرز الأمثلة على ذلك التظاهرات التي جرت في السماوة والكوت والبصرة، والتي ما تزال مستمرة في مفرق غماس. وقد نظمتها الاتحادات الفلاحية المحلية، وبعض التنسيقيات في محافظات النجف، والسماوة، والديوانية، وكربلاء، من أجل الدفاع عن حقوق الفلاحين. وهي دليل حي على قوة بنيان الاتحاد، رغم التدخلات الفظة في شؤونه.

وفي هذه المناسبة، ندعو القوى السياسية والبرلمانية المتنفذة إلى الكفّ عن تدخلاتها، وأن تترك الاتحاد ينظم صفوفه ويجري انتخاباته بحرية وبشكل ديمقراطي.

ألف تحية للفلاح العراقي في عيده الأغر.

ــــــــــــــــــــــــ

*مهندس زراعي استشاري