اخر الاخبار

لا يزال الحديث عن حقوق المرأة لدى قطاعات غير قليلة من مجتمعنا، يُعامل إما بالرفض لأسباب مختلفة أو بنظره مؤسفة، تقلل من أهمية الأمر تماماً. ولا يبدو مستهجناً هذا الإستخفاف بقضايا المرأة وحقوقها ورفض الإستماع لمطالبها فحسب بل ويشكل خطراً على تطور البلد، حين يقترن بادعاءات ومزاعم عن نيل المرأة لكل حقوقها الممكنة، وتنعّمها بمساواة في الحقوق والواجبات مع الرجل. وتأتي الخطورة من المصير الذي ينتظر مجتمعاً يسعى للتطور إذا ما تم تعطيل نصف سكانه وحبسه في البيوت والتفريط بقدراته وطاقاته وإبقائه أسير شعور قاس بالتمييز والإضطهاد والقهر.

كما تأتي الخطورة من ممارسات ثقافية واجتماعية وبمفردات لغوية عنصرية تمترج بهذا الإستخفاف، مفاهيم تقلل من مكانة المرأة، التي هي أنثى ضعيفة الإرادة وعاطفية وسلبية ومتخاذلة وسهلة الكسر وأدنى عقلاً والتزاماً، فيما الرجل ايجابي وقوي وشجاع وغير قابل للكسر وشهم، وبالتالي لا بد من تقسيم الأدوار في المجتمع بما يتناسب وهذه الصفات.

إن هذا الإستخفاف والقبول الغريب بتلك المزاعم وتصديقها يشدد من تخلف الوعي الاجتماعي بقوة ويفسح في المجال أيضاً، لبعض الشوفينيين والطائفيين من نكران أي اضطهاد تتعرض له المكّونات الصغيرة في المجتمع، قومية كانت أو دينية، بحجة إن ما ينتزعوه من حقوقهم الدستورية إنما هو كاف وربما أكثر مما يستحقون!

ولهذا، لايمكن النظر لقضية المرأة منفصلة عن سائر مشكلات المجتمع وقضاياه، فهذا الفصل يعزز الذكورية في المجتمع، ويقزّم القضية لتصبح خاصة بالنساء كفئة مُضطهَدة وتعيق التضامن معها من قبل الرجال، في الوقت الذي لا يمكن أن يكون الرجل حراً عندما يستعبد إمرأة، وبالتالي فجوهر قضية حرية النساء ونيلهن حقوقهن، يتمثل في حرية المجتمع بأسره.

ومن الطبيعي تماماً أن يبذل المستغِلون والطغاة والفاسدون كل ما يستطيعون من جهد للفصل بين قضية المرأة وقضية الأقليات وقضية الحرية والعدالة الاجتماعية، بإعتبارها أمورا مختلفة وليس بينها علاقة ما، في الوقت الذي تؤكد فيه الحقائق التاريخية والمعاصرة على أن هذه القضايا هي واحدة، ولا تّحل بمعزل عن بعضها البعض.

إنهم يسعون لإشغال كل منا بمشكلاته، بل وتوجيه كل انتفاضة تنتفضها أي فئة مُضطهَدة كي لا تكون انتفاضة ضدهم، مما يستدعي أن نكون واعين ونتحد لمواجهة المُضطهِد الحقيقي لنا جميعًا، والذي لن يكون الرجل أو المكون الكبير أو غير ذلك، بل البغاة المستغلين المتخلفين، مصاصي دماء الشعب.

عرض مقالات: