مرت الذكرى الـ (91) لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، وبهذه المناسبة المجيدة لا بد من استذكار دور الشيوعيين وقادتهم في العمل بين الجماهير، وخاصة ضمن الشرائح الاجتماعية الكبرى في المجتمع العراقي، وفي مقدّمتها الشريحة الفلاحية، التي كانت تُعدّ الأكبر في نهايات عقد الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. لذا، أولى حزبنا هذه الشريحة اهتمامًا بالغًا، وبذل جهودًا مضنية من أجل تنظيمها وتحريكها لنيل حقوقها المهضومة، والتي كانت مغتصبة في ظل العلاقات شبه الإقطاعية السائدة آنذاك.
كان للرفيق الخالد سلام عادل دورٌ بارز وبصماتٌ متميزة في عمل حزبنا في الريف، سواء قبل تسلمه منصب السكرتير العام للحزب، حين كان يقود بعض المنظمات المناطقية، أو بعد أن أصبح سكرتيرًا عامًا. فقد قام بزيارات ميدانية إلى الريف ومدنه في مناطق الجنوب والفرات الأوسط، وعمل بجدّ على تأسيس وتشكيل "جمعيات أصدقاء الفلاح"، وحرص على إرسال الرفاق من المعلمين والعاملين في المجال الصحي للعمل في الريف، بهدف بناء تنظيمات حزبية ورفع مستوى الوعي بين الفلاحين وأبنائهم، وهو ما شكّل لاحقًا نواة الجمعيات الفلاحية التي أُسست بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 المجيدة.
كما واصل عمله بعد الثورة بإرسال اللجان الحزبية إلى القرى القريبة والبعيدة، والتهيئة لتأسيس جمعيات فلاحية في مناطقهم، خاصة بعد صدور قانون الجمعيات الفلاحية التعاونية في عام 1959. وقبل ذلك، بادر إلى تشكيل لجنة من المتخصصين في القوانين الزراعية عملت على إعداد مسودات قانون الإصلاح الزراعي، الذي صدر برقم (30) في أيلول 1958.
لم تتوقف متابعاته عند هذا الحد، فقد كتب في كانون الأول عام 1962، قبل استشهاده بشهرين، دراسة مهمة بعنوان "وجهة نضالنا في الريف"، والتي لا تزال تحتفظ بحيويتها حتى يومنا هذا كمنهج عمل لمنظماتنا الحزبية، سواء في الريف أو المدينة. وقد تضمنت هذه الوثيقة توجهًا حازمًا نحو الفلاحين، وضرورة رفع مطالبهم وتنظيمها من خلال العمل الجماهيري والتنظيم الديمقراطي، بهدف توسيع القاعدة الحزبية، وتهيئة الكوادر العاملة في الريف لتثقيف وتدريب العناصر النشيطة، من بين الرفاق الواعين لسياستنا الطبقية.
كما شدّد الشهيد سلام عادل على ضرورة تربية كوادر من فقراء الفلاحين والعمال الزراعيين، من الشيوعيين وغير الشيوعيين، والاستفادة من الرفاق الذين يمتلكون الحد الأدنى من الاستعداد والكفاءة للعمل في الريف. وأكد أيضًا على رفع مستوى القيادة والتوجيه في المكاتب الزراعية (المختصات) وعمل لجان الريف.
ودعا إلى أن تكرّس اللجان المحلية جهدًا كبيرًا ووقتًا أطول لدراسة وقيادة وتوجيه العمل في الريف، باعتباره جزءًا من سياستنا الوطنية، مع ضرورة تخصيص أفضل الرفاق من أعضاء اللجنة المحلية، ممن يمتازون بالتجربة والوعي الطبقي، لتوجيه النشاط الحزبي في الريف.
وفي مجال العمل الفلاحي الديمقراطي، أكّد على تنشيط الجمعيات الفلاحية المجازة التي نمتلك فيها حضورًا، وكذلك العمل في الجمعيات الواقعة تحت نفوذ أغنياء الفلاحين والملاّكين، دفاعًا عن مصالح الجماهير الفلاحية في كل الظروف، والنضال من أجل انتزاع هذه الجمعيات من نفوذ القوى البرجوازية في الريف، والضغط على الاتحاد العام والاتحادات الفلاحية لتبني قضايا الفلاحين.
نعم، إنها وجهة نضال في الريف، وكما ذكرت، لا تزال حيوية وصالحة كمنهج عمل لمنظماتنا حتى يومنا هذا.
المجد والخلود للشهيد سلام عادل،
والخزي والعار لقتلته المجرمين.
ــــــــــــــــــــــــــــ
*مهندس زراعي استشاري