اخر الاخبار

تميزت النساء الريفيات بالقوة والصلابة والمجبولة بالفرح والحزن في حياتهن اليومية، يستقبلن يومهن بصدر رحب، يستمدن تلك القوة والصلابة من تدفق ماء السواقي، وهفهفات سعف النخيل وأوراق الشجر، ولعل حياة المرأة العراقية سواء بالريف او المدينة، غير سهلة أبداً على مر العصور والأزمان في ظل واقع اجتماعي متذبذب، وقوانين متعثرة، وتراجع في البنية الاجتماعية والاقتصادية، وهذه التفاصيل كانت موجودة ومرئية يشير لها الحزب الشيوعي في سياسته وبرامجه. هناك قصص وحكايات واقعية لنساء ناجيات من بطش السلطة، منهن أمهات وزوجات لمناضلين أجبروا على الاختفاء والانزواء في مخابئ تحت الارض لسنوات بعيدا عن أعين السلطة التي تلاحق كل تفاصيل حياتهم وعوائلهم، حدثت في فترة نهاية السبعينيات وما تلاها من سنوات عجاف، وحروب عبثية!

لا نستطيع الاّ أن نقول عنهن نساء باسلات مكافحات، مخلصات أمينات لمبادئ الحزب وبشكلٍ فطري، وهذا ينبع من أفكار الحزب وإيمانه بحق المرأة في العيش بكرامة ورفاهية. وتبقى الروابط العائلية والروحية هي الماثلة أمامهن، والخوف على حياة رجالهن والسهر على حمايتهم تقع على عاتقهن، فهناك عدو شرس وقاس يتربص بالعائلة ويحاول تدميرها.

سأتحدث عن نماذج وتجارب وقصص واقعية عاشتها نساء مناضلات، فلاحات من الريف الفراتي، جابهن الحرمان والخوف والملاحقة من النظام بسبب اختفاء ازواجهن، وهن يحملن صواني الشموع في عيد الحزب بخفية بعيداً عن خفافيش الظلام، تكريماً واحتفاء بتاريخه المجيد. أم قيس امرأة مربوعة الطول، ذات وجه دائري بشوش، أنجبت خمسة أطفال من زوجها الذي طاردته السلطات لسنوات عديدة في الثمانينيات، لو نظرنا لهذه المرأة وهي في مقتبل العمر مع خمسة اطفال، وفي مرمى سلطة فاشية تراقب خطواتها، لكنها لم تأبه في نقل البريد الحزبي تحت سلّة العنب، او تخبئه تحت طاسة الجبن الذي تصنعه من حليب بقرتها لتأخذه إلى السوق، وهناك تتواعد مع رفيقتها أم نغم التي تعيش نفس الظروف، هي الأخرى أم لثلاثة أطفال وزوجها المعلم التربوي هو الآخر تطارده السلطات ويعيش الاختفاء القسري، أم نغم تجلب الجبن والبيض لبيعه في السوق، وتخبئ البريد الحزبي تحته او تستلمه داخل علبة مسحوق غسيل الملابس، "التايد" أو بطرق مختلفة ، وهناك في سوق الحلة تجلس  أم حيدر المناضلة العتيدة وهي ضليعة في إخفاء الرسائل الحزبية، ومعرفة الأماكن الآمنة والإفلات من المراقبة مرات عديدة، تكون بانتظارهنّ بالسوق الشعبي، ويكون الاتفاق مسبقاً على مكان مخصص فقد أصبحن خبيرات بإيجاد أماكن أمنه بعيداً عن أعين الملاحقة، يفترشن الأرض، و يتبادلن البريد الحزبي، والأحاديث المليئة بالشجون ومصاعب الحياة ويسألن عن" الغيّاب" بأسماء والقاب متعددة، يتكرر هذا المشهد عدة أشهر وسنوات، إنه نضال وعمل خاص بهن يقومن به بطيب خاطر وتفان، وبفرح نجاحه.

من هنا تبرز علاقتهن بالحزب، وهي علاقة مزدوجة من حيث العمل اليومي ومعترك الحياة، والاهتمام بأطفال تركوا دون أب ومعيل والدخول في مساعدة رفاق الحزب وتوفير الحماية اللازمة لهم..

هؤلاء النساء لم تكن حياتهن سهلة، بل تذبل وجوههن وهنّ في عز شبابهن، وتشيخ تلك الوجوه الجميلة مبكراً بدون مرافقة زوج حنون وسند قوي، وكل يوم من يومهن نضال بحد ذاته يشيب الرأس له حتى ابيضت شعورهن بشكل مبكر ليغزوه الشيب من الوحدة، والحزن من فقدان شريك الحياة.

لتلك النسوة ننحني احتراما لتاريخهنّ الملهم بالعمل والأمل، وأبارك لهنّ ولجميع المحتفلين بربيع عميد الحركة الوطنية، وباقات ورد لحزبنا الشيوعي وهو يطفئ شمعته الواحدة والتسعين.