في عيد المرأة العالمي، نتحدث عن تجارب ناجحة لثلاث نساء عراقيات يمكن اعتبارهن مثالًا يحتذى به، هو دلالة على مدى قوة وإصرار المرأة العراقية وتحقيق طموحاتها والسير بخطى ثابتة نحو الأفضل والأجمل،
أطياف وأزهار، ونغم ثلاث نساء عراقيات، يتعاملن مع الحياة بطريقتهن الخاصة، نساء مميزات في مواجهة صعوبات ومشاكل الحياة، والنجاح.
المثال الأول
أطياف شابة جميلة الوجه والروح والمعشر، ولدت لعائلة فلاحية، واستنشقت هواء الريف النقي وجبلت من تربته الصالحة لبناء حياة وأسرة، للأسف ظروفها لم تسمح لها بإكمال دراستها الابتدائية، تزوجت وهي صغيرة بعمر "١٦" عاماً، وأنجبت أربعة أطفال، وانغمرت بالعمل في البيت والزراعة، وتربية الأبقار والاعتناء بأطفالها وعائلتها. تقول أطياف واجهتني مشكلة، وهي تدريس أطفالي، فالدراسة تعتمد على متابعة الأهل اليومية للتلميذ، وخبرتي قليلة او تكاد تكون معدومة، خاصةً في مادتي الرياضيات والانكليزي، لذلك قررت أن اخوض تجربة التحدي و أن أدرس وامتحن وفق نظام الامتحان الخارجي، جمعت كتبا وأخذت أدرس بشكلٍ مكثف.
قدمت أطياف لامتحان السادس ابتدائي واجتازته، ثم الصف الثالث متوسط ونجحت ايضاً، نجاحها بمرحلتين منحها حافزا وأملا أن تكمل مرحلة الإعدادية، لذلك عزمت أن تدرس ليل نهار بعد إكمال أعمال البيت، اجتازت امتحان السادس إعدادي بنجاح وأمسكت بخيوط الحياة وألوانها وسحرها، كانت فرحتها مع عائلتها لا توصف، نجاح بطعم الحرية والفوز، وفتح أبواب وآفاق مستقبل واعد. قدمت أطياف أوراقها للجامعة وتم قبولها، وهي الآن إحدى طالبات جامعة بابل، وتهتم ببناتها وعائلتها. تقول بعد التغيير الجذري الذي حدث في حياتي أعيش شعورا جميلا لا يوصف، أحس أنني أمتلك وأمسك بحلمٍ مطرّز بألوان الكون، وأنظر للبعيد الآتي المحمّل بالأمل والتجديد.
المثال الثاني
الشابة أزهار كانت موظفة في إحدى الدوائر الحكومية في بغداد، تزوجت وهي في العشرينيات من عمرها بعد ان تقدم لها شاب يعمل في إحدى الدول العربية، عن طريق إحدى صديقاتها، أنجبت منه ثلاثة أطفال، لم تدم حياتهما المشتركة، ونشب خلاف مع الزوج وانفصلا بشكلٍ قاس، تركها الزوج مع ثلاثة أطفال صغار، ولم يساعدها بمعيشتهم بل تعامل معها بقسوة وبلا إنصاف. أخذت أطفالها الصغار واستقرت في سوريا، ومع اشتداد الظروف هناك والحرب الأهلية الأخيرة عاشت الجحيم بعينه، تقول كنت أخاف على أطفالي من القصف اليومي، والتنقل من مكان إلى آخر، نسكن بنايات فارغة ونخاف من قطاع الطريق، سكن الخوف فينا، نخاف من القنابل وأصوات الانفجارات، عاشت العوائل في سوريا رعبا يوميا وخاصة الأطفال والنساء، وعانت من الجوع، كنا نعيش أنا وأطفالي على فتات الخبز والفضلات في المزابل أحياناً، لكنني لم أيأس استمد القوة من أطفالي وكيفية حمايتهم، كان هدفي إيصالهم إلى بر الامان. قدمت أزهار على الهجرة، وخضعت لبرنامج الأمم المتحدة، ثم قبلت وأطفالها لتسكن في كندا. كافحت وحدها في كندا، وعملت في أماكن عديدة لكي توفر لأطفالها لقمة العيش وحياة يستحقونها، تربيتها لأولادها لم تكن سهلة في هذا المجتمع، بعاداته وتقاليده، ورغم ذلك استطاعت أن توازن حياتهم، كما أسهمت في إيصالهم لمراحل دراسية متقدمة، أولادها الآن يدرسون في أفضل الجامعات الكندية، وتشعر أزهار بالفخر والزهو وهي تنظر لمستقبلهم الجميل.
المثال الثاث
نغم هي الأخرى لم تنصفها الحياة، فقدت والدها الشيوعي منذ الصغر غيبته سلطة البعث الدكتاتوري، وكانت المعين لوالدتها وأخوتها الصغار، كانت تعمل طول النهار في البيت والحقل لتوفير لقمة عيش لأخوتها، تزوجت نغم وكانت سعيدة بحياتها الزوجية، لكن شاء القدر اللعين أن تفقد زوجها الشاب بحادث سير، ليترك وراءه شابة أرملة وثلاثة اطفال يتامى. هاجرت نغم إلى خارج العراق مع بناتها الصغيرات وهي مثقلة بالحزن والهموم ومتاعب الحياة وفقدان الزوج، وبعدها عن عائلتها ومحيطها الذي تربّت وكبرت فيه، سكنت مع عائلة أمريكية مكوّنه من رجل وزوجته، قدموا لها مساعدات، وبالأخص في رعاية الأطفال. واجهت نغم في رحلتها هذه مشاكل جمّة، أولها اللغة التي لا تجيد منها شيئا، وليس لديها عمل ولا شهادة، دخلت اولاً دورات لغة، و التقاط كلمات ومفردات انكليزية من بناتها، والمعروف أن الطفل يتعلّم اللغة أسرع من الكبار، ثم وجدت عملا، فأخذت تعمل بالنهار، وتدرس بالليل، خاصةً اللغة والتي تعتبر مفتاح الطريق، حصلت على شهادة تؤهلها لتدرّس الأطفال، واستمرت في الدراسة المسائية والتعلم لتصبح معلمة مدرسة ابتدائي، لا زالت تكافح، رغم دخول بناتها الجامعات لكن هناك مثلا تردده أمهاتنا يقول " ما يكبر راس الاّ يشيّب راس".
أطياف وأزهار، ونغم، نساء عراقيات، خضن تجارب لم تكن سهلة، وهناك المئات بل الآلاف من النساء في كل مكان ممن مررن بالتجربة نفسها، ولربما أكثر قسوة، منهن أرامل ومطلقات، وبدون معيل، ونجحن، في مواجهة ظروف مختلفة وبمجتمعات وبيئات مختلفة لم يكن لهن من يعينهن إلا إصرارهنّ على النجاح في مدرسة الحياة الكبيرة.
في عيد المرأة العالمي نقدم أجمل التحيات، وباقات ورد لنساء العالم، ونساء العراق خاصةً في عيدهن الأغر.