اخر الاخبار

بعد نشر المجلد الأول من (رأس المال) في أيلول/ سبتمبر 1867، شرع ماركس على الفور في العمل على المجلد الثاني؛ لكن هذا العمل واجه عدة انقطاعات. ونتيجة لذلك، لم يتمكن ماركس من إكمال عمله الرئيسي خلال حياته. ويمكن أن تكون أسباب ذلك الحالة الصحية السيئة التي ابتلي بها باستمرار أو معضلة علمية بحتة واجهها ماركس من شأنها أن تخلق تناقضاً مع المجلدين الثاني والثالث من رأس المال ، وربما أيضا إطلاعه على مواضيع نظرية جديدة وهو المعروف بولعه الدائم بتوسيع أفق معرفته، بحيث دفعته المعرفة المكتسبة حديثا إلى إعادة النظر بشكل نقدي في الحجج المقترحة في المجلد الأول من (رأس المال)، وتعديلها جزئيا، أو حتى التخلي عن بعضها.

أن دفاتر المقتطفات التي استنسخها ماركس معروفة بضخامتها، وفي عام 2019 تم نشر المجلد 18 من القسم الرابع للطبعة الكاملة لمؤلفات ماركس وأنجلز المعروفة بإسم MEGA. ويوثق المجلد 18 جميع المقتطفات والملاحظات التي كتبها ماركس في الفترات: شباط 1864 حتى تشرين الأول 1867، تشرين الثاني 1869، آذار، نيسان، حزيران 1870، وكانون الأول 1872، كما انه يوضح تطور أفكار ماركس بعد عام 1868، مما يعطينا تلميحا حول سبب بقاء (رأس المال) غير مكتمل.

ففي آذار/ مارس 1868، أي بعد نشر المجلد الأول من (رأس المال) - الطبعة الأولى، بدأ ماركس بدراسة أعمال جورج لودفيغ فون ماورر (1790-1872)، خصوصاً المتعلق منها بتعاونيات السوق (Markgenossenschaften)، التي اعتبرها ماركس مهمة، واستنسخ مقتطفات مفصلة من ماورر مرتين (في 1868 و 1872). وبسبب ذلك يبدو أن ماركس تخلى عن فكرته حول الأشكال الثلاثة للملكية المشاعية ما قبل الرأسمالية: الآسيوي والكلاسيكي والجرماني، الموصوفة في الغروندريسة، فقد لفت ماورر نظر ماركس وانتباهه إلى حقيقة أن التخصيص المنتظم للأراضي الصالحة للزراعة كان يحدث في المشاعات الجرمانية، وأن هذه العادة لا تزال قائمة حتى في القرن 19 (خاصة في المناطق المحيطة بمسقط رأس ماركس في ترير). ويفترض تخصيص الأراضي المزروعة، مسبقا، وجود سلطة للمشاعات لتنظيم عمل وحياة أفراد الجماعة الذين يعيشون فيها ويتشاركون في الملكية والواجبات. وبالتالي ليس بالإمكان النظر إلى المشاعة الجرمانية باعتبارها متكونة من مزارعين فرديين مستقلين، كما جرى اعتبارها سابقا في الغروندريسة.

لقد أشار ماركس الى اهتمامه بماورر، لأول مرة، في رسالته إلى إنجلز بتاريخ 41 آذار/ مارس 1868:

« في المتحف، درست بجد أحدث الأعمال عن السوق الجرمانية، القرية، الخ، والدستور الجرماني للعجوز ماورر. وهو يوضح بالتفصيل أن الملكية الخاصة للأرض تم تقديمها لاحقا وما إلى ذلك. وقد دحض تماماً الافتراض الغبي من قبل ويستفالين يونكر (وموزر وغيره) بأن الجرمان استقروا أولا بشكل منفرد ثم شكلوا لاحقا القرى، أي تجمعوا الخ. ومن المثير للاهتمام الآن فقط أن الطريقة الروسية في إعادة توزيع الأراضي لفترة زمنية معينة (في ألمانيا كانت أولا توزع سنويا) ظلت تُمارس في أماكن في ألمانيا حتى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وكانت الفرضية الأولى التي عرضتها هي أن أشكال الملكية الآسيوية أو الهندية كانت في كل مكان في أوروبا، وأن أكثرها بدائية موجودة هنا بشكل حديث، على الرغم من أن ماورر لا يعرف شيئا عن هذا». (MEW المجلد 42 ، ص 547).

لابد من الإشارة هنا الى أن ماركس تخلى فيما بعد عن هذه الفرضية، وخاصة في مسودات رسالته إلى فيرا زاسوليتج (أنظر مجلة الثقافة الجديدة، تموز 2020)، حيث ينتمي كل من شكل الملكية الجرماني البدائي والنموذج الآسيوي أو الهندي إلى نفس التشكيلة الاجتماعية البدائية. وعلاوة على ذلك، كان النموذج الأول أكثر بدائية من الثاني، وكان الشكل الآسيوي يشكل المرحلة الأحدث من الملكية المشاعية القديمة.

وتشير رسالة أخرى إلى إنجلز في 25 آذار/ مارس 1868 إلى أن اهتمامه بماورر كان يتزايد:

« كتب ماورر مهمة للغاية..... فقط في منطقتي، في هونسروكن ، تم الحفاظ على النظام الجرماني القديم حتى بضع سنوات مضت. .... حتى علماء اللغة الذين طابقوا غريم (المقصود جاكوب لودفيج كارل غجريم (1785 - 1863)، المعروف أيضا باسم لودفيج كارل، كان عالم لغوي وقانوني وعالم أساطير ألماني. وهو مكتشف قانون غريم في اللغويات. ث.ص) أساءوا ترجمة أبسط الجمل اللاتينية. .... على سبيل المثال، العبارة المعروفة من تاسيتوس (مؤرخ روماني ولد عام 56 ميلادية):avra per annos mutant، et superest ager ، التي تعني أنهم يغيرون الحقول [avra] (عن طريق القرعة [lot] ، ويغيرون أيضا [القرعة] لاحقا في جميع Leges Barbarorum [القوانين البربرية]) لكن الحقل العام المشترك يبقى كما هو على النقيض من الحقل الخاص (ager as ager publicus in contrast to avra).  تمت ترجمتها من قبل غريم: إنهم يزرعون حقولا جديدة كل عام، وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الحقول غير المزروعة قائمة. وبالمثل، يبدو أن عبارة أخرى "Colunt discreti ac   diversi" (" إنهم يعبدون المفرد والمتنوع") توضح أن الجرمان كانوا منذ العصور القديمة يعرفون إدارة الزراعة الفردية مثلما يطرح ويستفاليان يونكر. ومع ذلك، فإن نفس العبارة مصحوبة بالجملة التالية: "Vicos locant non in nostrum morem connexis et Cohaerentibus aedificiis: suum quisque locum spatio circumdat" " إنهم يصممون الشوارع بطريقة لا تناسبنا من خلال المباني المتصلة والمتماسكة: كل منهم يحيط مكانه الخاص بمساحة"، ومثل هذه القرى البدائية الجرمانية في الشكل الموصوف لا تزال موجودة هنا وهناك في الدنمارك. لابد لاسكندنافيا أن تكون مهمة بشكل طبيعي للفقه والاقتصاد الألماني وكذلك للأساطير الألمانية. وبمجرد البدء من هذه النقطة، تمكننا من فك رموز ماضينا مرة أخرى. بالمناسبة، حتى غريم وجد في كتابات قيصر Caesar، أن الجرمان استقروا في جميع الأوقات كمجتمعات مبنية على أساس القرابة والنسب [Geschlechtsgenossenschaften]، وليس كأفراد: gentibus cognatibusque qui unocoiereant أمم متقاربة كأنها أمة واحدة». (MEW المجلد 42 ، ص 557 وما يليها).

نلاحظ ان الفقرة الأولى من الرسالة تستند الى ما ذكره ماورر:

« ومع ذلك، لا يزال هناك حتى اليوم اتفاقية في هونسروكن مفادها أن الحقول يتم تخصيصها بالقرعة لمدة 3 أو 4 أو 9 أو 12 أو 14 أو 18 عاما وفقا لطريقة الزراعة في المناطق المختلفة». (ماورر، مقدمة لتاريخ مسح العلامات والمزارع والقرى والبلدات، ميونيخ 1854، ص6).

ونشير أيضا الى الصعوبة التي واجهتها في فهم عبارة "unocoierent" وبعد الاتصال المباشر بالبروفيسور تينوسوكي أوتاني والبروفيسور كوهيه سايتو، أعضاء اللجنة اليابانية المسؤولة عن تحرير المجلد 18 من القسم الرابع لمشروع MEGA  اتضح أن ماركس نقلها خطأً، ولكن محرري طبعة MEW لم يلاحظوا ذلك. والصحيح حسب قيصر"una coierunt" [ توحدوا.

عرض مقالات: