إيفلين ريد باحثة نسوية وفيلسوفة وأكاديمية أمريكية الجنسية (1905 –1988) انضمت إلى الحركة الاشتراكية عام 1940 وكانت عضوا قياديا في حزب العمال الاشتراكي مختصة في الانثروبولويا وتركز على تحليل الأدوار الاجتماعية للمراة عبر التاريخ وتبحث في أصول الاضطهاد الذي تعانيه النساء وتعمل على انعتاقهن لها مؤلفات عدة : ( 1 – هل البيولوجيا قدر النساء 2 – التمييز الجنسي والعلم 3 – تطور المرأة 4 - مشاكل تحرير المرأة – رؤية ماركسية - وقد تمت ترجمته من قبل المترجمة رغد قاسم سنة 2021 والذي نهلنا منه سطورنا هذه.
ثمة سؤال متداول عادة هو: هل أن النساء جنس أم طائفة أم فئة؟ وبغية الإجابة على هكذا سؤال فقد وجدنا أن الباحثة لا تتفق مع العديد من الكاتبات الراديكاليات والاشتراكيات اللائي أفضت دراساتهن إلى خلاصة مفادها أن ( البيولوجيا ) الخاصة بالمرأة سبب لاضطهاد المرأة وجعلتها في الوضع التي هي فيه، إذ دخلن في توصيفات وتفصيلات وتحليلات تخص طبيعة المرأة وتكوينها الجسدي متأثرات بالموروث الأسطوري الذي يعد النساء عاجزات بحكم طبيعتهن ووظائفهن التناسلية عن الوصول إلى أهدافهن أو المساواة مع الرجال، إذ أفصحت تلك الرؤى عن استنتاجات تفسر أسباب اضطهاء النساء إلى الاختلافات البيولوجية بين المرأة والرجل أمام هذا الموقف وجدت الباحثة نفسها في موقع المتصدي لهذا الفهم، إن هذ النتيجة التي توصلن اليها المذكورات تعد سوء فهم للمرأة وسوء فهم لموقعها الاجتماعي في الأسرة والمجتمع وأن هذا الاستنتاج لا يتفق والمنظور الماركسي للمراة إذ أن أسباب اضطهاد المرأة لديها ليس بيولوجيا بل أن الأمر يعود إلى الطابع الاجتماعي والتاريخي للمرأة.
كما ذهب البعض إلى قراءات أخرى لوضع المرأة إذ وصفها بأنها طائفة وقال البعض الأخر إنها فئة وذهب ثالث إلى أنها طبقة. هذه القراءات تجعل الرجل في موقع الخصومة من المرأة لا بل أنها تجعله في موقع العداوة لها وحيث أن الأمر كذلك فإنه يعد تبريرا للهيمنة الذكورية المفضية إلى معاملة المرأة معاملة قاسية تصل إلى مستوى الوحشية المقترن بالحط من مكانتها وتجليسها في المرتبة الدونية وتصيبها بمتلازمة التهميش والإقصاء والانعزال في زوايا المنازل، وتفقد التقدير والاحترام إذ يحكمها الموروث الثقافي ويلزمها بقبول العبودية الطوعية للرجل. هذه الاستنتاجات الخاطئة أيضا لا تنسجم والفهم الماركسي للمرأة ولا إلى مركزها الحقوقي في الأسرة والمجتمع وتعد محاولات مقصودة سلفا لصرف النظر عن الأسباب الحقيقية لاضطهاء النساء بمفهومها الاجتماعي والتاريخي والاقتصادي وحصرها بشكل قسري بعداوة الرجل والآثار المترتبة على تلك العداوة.
أما في المنظور الماركسي فإن المرأة ليست الجنس الآخر و ليست طائفة ولا فئة لأن للدراسات الرصينة كلام آخر ومختلف، فاذا تتبعنا المسار التاريخي للدراسات الانثربولوجية بما في ذلك دراسات ما قبل التاريخ وفي عصر التشكيلات البشرية البدائية نجد فيها المرأة ليست ذلك الجنس المضطهد إذ أنها تقف على قدم المساواة مع الرجل لا بل أن المرأة في العصر الأمومي كان لها وضع مختلف داخل الأسرة والمجتمع إذ أن الباحثين في علم الأنثروبولوجيا بينوا أن في العصر الأمومي كانت النساء تشغل الأدوار المركزية في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والدينية، وفيه شغلت النساء المناصب القيادية وكان يحتفى بالمرأة كرمز للخصوبة والإبداع محاطة بالتبجيل بسبب ألوهيتها الأنثوية، ولدينا العديد من النساء اللائي يرتقين إلى مرتبة الألوهية عبر التاريخ فضلا عن أن الدارسات تؤكد أن العلاقات الجنسية لا تحكمها الأنماط الذكورية. ملاحظة – قبل عدة سنوات وضعت دراسة في جامعة اكسفورد تقول: (على امتداد العصر الأمومي الطويل الذي تقوده المراة لم تحدث حرب ولم ينزل فيها نبي).
تقول " ايفلين ريد" – بدأت القبائل الأمومية تتفكك عندما تم الانقلاب على اقتصاد جمع الطعام واعتمد اقتصاد آخر مبني على الانتاج القائم على الزراعة وتربية الماشية ووجود الحرف وبموجبة أجري تقسيم جديد للعمل اقترن بالكفاءة في العمل وأنتج فائض القيمة، وهنا البداية المفضية إلى الانقسامات العميقة في المجتمع وكأثر من آثار هذا الوضع الاقتصادي الجديد بروز مؤسسة الزواج والأسرة وتثبيت الملكية والوراثة لملكية الرجل وبروز السيطرة البطريركية والهيمنة الذكورية، من هنا كانت المقاربة الماركسية حول بدايات اضطهاد المراة باعتباره أثرا من آثار التغييرات الاجتماعية والاقتصادية المحطمة للمجتمع المساواتي الأمومي واستبداله بالمجتمع الطبقي الأبوي وليس بسبب الجنس او الطائفة او الفئة حتى بلغ اضطهاد المرأة ذروته في العالم الرأسمالي وهذا ما توصلت اليه الباحثة الانثروبولوجية " ايفلين ريد ".