اخر الاخبار

        " موقف الرجل من المرأة يدلّني على أي نموذج من البشر هو...؟

ومن فهمه لدورها في حياته وفي الحياة العامة نعرف ما معنى الحرية عنده...

الرجال في مواجهة المرأة " أما خصومها، أو أنصارها، أو عشاقها."

الموقف مختلف من حقوق المرأة ودورها في المجتمع باختلاف الثقافات والتربية والمعتقدات الشخصية، ويتفاوت بشكل كبير حسب السياق الثقافي، الديني، والسياسي لكل مجتمع أو بلد. على الرغم من أن هناك تقدماً في حقوق المرأة في بعض البلدان، إلا أن العديد من التحديات ما تزال قائمة في مجالات عديدة مثل القيود القانونية والحقوقية، الفرص الاقتصادية، التعليم، المشاركة السياسية.

بينما يزداد وعي الرجل في المجتمعات المتقدمة بأهمية مشاركة المرأة في الحياة، وتشهد العديد من البلدان تقدماً كبيراً في هذا الميدان، إذ توجد جهود مستمرة لإلغاء القيود الموروثة، ومنح المرأة المزيد من الحرية في اتخاذ القرار.

خصوم المرأة لا يرون في المرأة أية ميزة، إنها في نظرهم إنسان مختلف ومتخلف أيضاً، أو أنها بتركيبها المعقد أسهمت في تشوش النظرة اليها، وأنصارها يرون أنها لا تختلف عن الرجل، هي أقدر على احتمال الألم والمرض، وأطول عمراً من الرجل، يدفعونها إلى الحرية والعمل. وعشّاقها يرون فيها ينبوعاً رائعاُ للجمال والمتعة، والحياة بغيرها مستحيلة، وأن السماء قد أهدت البشرية حواء وبناتها لإشاعة الحب في العالم.

من المفارقات الغريبة أن يقف الفلاسفة خصوماً للمرأة، إذ هيمن الرجل تاريخياً على تاريخ الفلسفة. ستعتقد المرأة أن هؤلاء في خطابهم التنويري، التحرري، يدعونها إلى التحرر من الثقل التاريخي والاجتماعي المكبّل لقيمتها الإنسانية، ولكن حين تقرأ مقولاتهم عن المرأة في مواضع أخرى، ستصاب بالدهشة والعجب، حين تواجه آراءً مناقضة تماماً لأفكارهم الأخرى.

وقد يفاجأ المرء إذا علم أن الفيلسوف اليوناني أرسطو يقول: أن المرأة لا تصلح إلا للإنجاب، إنها لا يمكن أن تمارس الفضائل الأخلاقية مثل الرجل، فهي مخلوق مشوّه انتجته الطبيعة، أمّا افلاطون فيرى أنها أدنى من الرجل في العقل والفضيلة، وكان يأسف أنه ابن امرأة ويزدري أمّه لأنها أنثى، أمّا معلمهم سقراط "شهيد الدفاع عن المبدأ" كان يرى أن المرأة مثل الشجرة المسمومة التي يكون ظاهرها جميلاً، لكن الطيور تموت حين تأكل من ثمرها.

الفيلسوف اليوناني "سقراط" ترك ظله الكثيف على الحضارة الغربية، كان رجلاً دميماً، يؤمن بأن العقل هو المعيار الحقيقي في الموقف من الإنسان، وليس جنس المرأة، ورأى ان المرأة والجسد والحس شرور ينبغي أن يتخلص منها الإنسان، فاستبعدها من دنيا الحياة العقلية.

لم يختلف الأمر كثيراُ عقب العهد اليوناني بل استمرت النظرة ذاتها مع عدد من التحويرات في كتابات العديد من الفلاسفة: "روسو" و"كانت"، أمّا "نيتشه" فيرى المرأة ما تزال في أفضل الأحوال حيواناً كالقطط والكلاب والأبقار، وأنها تتآمر مع كل أشكال الانحلال ضد الرجل. بينما كان "شوبنهاور" أكثر بؤساً في حياته وأكثر بغضاً للمرأة بسبب موقفه من فجور أمّه.

قبل ذلك شهدت العصور القديمة منذ عصور الفراعنة والفرس ظاهرة "الحريم" وأصبحت أكثر شهرة في العصور الإسلامية، خصوصاً في الدولتين العباسية والعثمانية، كانت تلك أبشع صورة لاستغلال المرأة: جمع أكبر عدد ممكن من " العشيقات" في مكان واحد، وترويضهن للقاء صاحب الحريم: السلطان أو الوالي أو السيد أو شيخ القبيلة. المرأة سلعة ومتعة لا يستغنى عنهما، إنها جزء من ممتلكات الرجل، والزواج ليس إلا عقداً للانتفاع المشترك بين ذكر وانثى. (آخر السلاطين العثمانيين عبد الحميد الثاني، كان يحتفظ بأربعمائة جارية عشيقة)، عقدة عقول السلاطين العفنة تتداخل فيها عشقهم للمرأة واحتقارها في آن واحد، عشق جسدها واحتقار عقلها.

لا يمكن وفق ما سبق أن نعدّ النظرة تجاه المرأة موقفاُ انفعالياً فردياً، بل هو نتيجة لترسّخ النظرة الذكورية التي لا ترى في المرأة كائناً يستطيع التفكير بصرامة وبمنهجية رصينة.. ومن عدم الدقة أن نعمم النظرة الانتقامية للمرأة في الحقل الفلسفي حين تكون هناك استثناءات تجاوزت حدود النظرة السائدة نحو آفاق أرحب وأكثر نقدية تمثلت في تصورات "ابن رشد" الذي عاش في القرن الثاني عشر، أي قبل قرون من ظهور فلاسفة التنوير، فقدّم في زمانه تصوراً لم يماثله فيه أحد، انتصر فيه ابن رشد للعقل، ليس انتصاراً على طريقة "كانت" التي استثنت المرأة بل انتصاراً للعقل الإنساني برمّته.

لا فرق بين الرجل والمرأة في الغاية الإنسانية برأي ابن رشد، الفرق الوحيد هو في احتمال الكدّ الجسماني، في حين أن النساء أكثر حذقاً في فنون أخرى: التصوير، الموسيقى، الرعاية والتمريض، وجب على النساء أن ينلن التربية نفسها التي يحظى بها الرجال، والمساواة في الأعمال الأخرى.

علينا أن نتأمل ما قدمّه ابن رشد قبل أكثر من عشرة قرون في أحد نصوصه البليغة إذ يقول: تختلف النساء عن الرجال في الدرجة، لا في الطبع، وهنّ أهل لفعل جميع ما يفعل الرجال من حرب وفلسفة ونحوهما، بينما ما تزال المرأة تواجه صعوبة الحياة في القرن الحادي والعشرين، محرومة من حقوقها الأساسية من قبل الأنظمة والمجتمعات المتخلفة. تعاني من مشاكل اجتماعية خطيرة مثل: العنف المنزلي، التحرش الجنسي، الاعتداء النفسي والجسدي.

في الضد من آراء ابن رشد، كان الفيلسوف الغزالي أكثر تشدداً في نظرته للمرأة، إذ يرى أن دورها الأساس يكمن في المنزل ورعاية الأسرة، وعدّها ناقصة العقل والدين مقارنة بالرجل، وعليها أن تلتزم بدورها ووظيفتها بعيداً عن المجالات العامة.

إذا كان "حريم السلطان" قد اختفى أو تراجع كثيراً في بلدان العالم، فان " سلطان الحريم" ما زال قائماً وفاعلا في القوانين الجائرة والتشريعات والثقافة والسلوك ونمط الحياة والتقاليد الاجتماعية، والموروث المتخلف، ومصادرة الحرية الشخصية، ما زال المعنى راسخاً في العقول.

عرض مقالات: