تُعد المرأة نصف المجتمع، ويفترض أن يمتد دورها الحقيقي إلى ما هو أبعد من ذلك، فهي أيضا نصف الاقتصاد على الرغم من أن مساهماتها الاقتصادية غالبا ما تُهمل أو تُعتبر غير رسمية، لأن الدور الذي تلعبه داخل المنازل، والذي يظل ركيزة أساسية في بناء المجتمعات واستدامة الاقتصاد، لا يحظى بإهتمام وتقييم كافيين ولا يدرج ضمن الناتج المحلي الإجمالي أو الحسابات الاقتصادية التقليدية.
وتؤدي النساء داخل المنازل، أدوارا متعددة تشمل الرعاية الأسرية، التعليم، إدارة الموارد، وإنتاج الخدمات التي يستفيد منها أفراد العائلة. هذا العمل غير المدفوع الذي تقدمه المرأة يشكل أساسا لاستقرار الأسر والمجتمعات. فوفقا لتقديرات البنك الدولي، تصل القيمة الاقتصادية للعمل غير المدفوع الذي تقوم به النساء في بعض الدول إلى 10-39 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي العراق، كما في العديد من الدول الأخرى، يُنظر إلى المرأة كعنصر فعال يساهم في الاقتصاد بطرق مباشرة وغير مباشرة. وتشتد أهمية هذا الدور خاصة في إدارة المنازل، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، حين تتولى النساء مسؤولية إدارة موارد الأسرة المحدودة بمهارة، ويقدمن حلولا مبتكرة للتعامل مع الأزمات الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة. ورغم أن هذه الأدوار تُعتبر "تقليدية"، إلا أنها تسهم بشكل مباشر في تعزيز الاقتصاد المحلي.
العمل المنزلي غير المرئي
تكمن المشكلة الكبرى في أن العمل الذي تقوم به المرأة داخل المنازل غالبا ما يُعتبر غير مرئي وغير معترف به رسميا. فالطبخ، والتنظيف، ورعاية الأطفال أو كبار السن هي أنشطة تُعتبر جزءا من الواجبات الأسرية التقليدية، لكنها في الواقع خدمات اقتصادية حقيقية تساهم في توفير الوقت والموارد للمجتمع.
ولو تم قياس هذه الجهود بالقيمة السوقية، فإنها ستكشف عن مساهمات ضخمة في الاقتصاد. فمثلا، إذا تم تقييم عمل المرأة في الطهي أو تقديم الرعاية بأجر مماثل لتلك الخدمات في السوق، فإن القيمة الإجمالية ستكون مذهلة. ولكن، وبسبب غياب الاعتراف الرسمي، تظل هذه المساهمات خفية وغير مدرجة في الحسابات الاقتصادية.
المرأة والاقتصاد غير الرسمي
إلى جانب العمل المنزلي، تشارك النساء في العراق بشكل كبير في الاقتصاد غير الرسمي. فالعديد منهن يعملن من المنزل في مجالات مثل الخياطة، الطهي، أو صناعة الحرف اليدوية، لتأمين دخل إضافي يعزز استقرار الأسرة. هذه الأنشطة توفر فرصا اقتصادية مهمة لكنها تواجه تحديات عديدة، مثل غياب الدعم الحكومي، وافتقارها إلى الحماية القانونية والاجتماعية.
وتعمل النساء أيضا على إنتاج الغذاء في المناطق الريفية من خلال الزراعة المنزلية، وهو أمر يسهم في تحقيق الأمن الغذائي للأسر، لكنه لا يُحسب ضمن الإحصاءات الرسمية. هذا التداخل بين الأدوار المنزلية والمهنية يجعل من المرأة عنصرا مركزيا في الحفاظ على توازن الاقتصاد المحلي.
التأثير الاجتماعي والاقتصادي
لا يقتصر تأثير المرأة على الجانب الاقتصادي فقط، بل يمتد إلى الجانب الاجتماعي أيضا. من خلال دورها في تربية الأطفال وتعليمهم القيم والمهارات، والمساهمة في إعداد أجيال قادرة على المساهمة في المجتمع والاقتصاد. كما أن إدارة المرأة لموارد الأسرة تلعب دورا في تقليل الإنفاق الزائد وتحسين الكفاءة الاقتصادية للأسرة. ويبقى التحدي الأكبر في أن هذه الجهود غالبا ما تُعتبر جزءا من "التزامات المرأة"، بدلا من أن يتم الاعتراف بها كعمل اقتصادي مشروع يستحق الدعم والتقدير.
كيف يمكن الاعتراف بدورها الاقتصادي؟
لإبراز الدور الاقتصادي للمرأة داخل المنازل، هناك حاجة إلى اتخاذ خطوات عملية لتحويل العمل المنزلي غير المدفوع إلى قوة اقتصادية معترف بها من خلال:
- تعزيز الوعي العام عبر حملات توعية تسلط الضوء على قيمة العمل المنزلي ودوره في استدامة الاقتصاد.
- دعم الأعمال المنزلية عبر تقديم الدعم الحكومي للنساء اللواتي يعملن من المنزل، مثل توفير قروض صغيرة أو تدريبات مهنية، يمكن أن يساهم في تحسين ظروفهن الاقتصادية.
- توفير الحماية الاجتماعية، فالنساء اللواتي يقدمن العمل المنزلي بحاجة إلى ضمانات اجتماعية مثل التقاعد أو التأمين الصحي، مما يعكس التقدير لمساهماتهن الاقتصادية.
- إدماج المرأة في الاقتصاد الرسمي من خلال تمكين النساء من الدخول إلى سوق العمل مع توفير بيئة عمل مرنة تراعي التزاماتهن الأسرية.
وأخيرا رغم كل التحديات التي تواجهها المرأة العراقية، فإن دورها الاقتصادي، سواء من خلال العمل المنزلي أو المشاركة في الاقتصاد غير الرسمي، لا يمكن تجاهله حيث تبقى المرأة قوة اقتصادية لا غنى عنها. ولهذا فإن الاعتراف الرسمي بمساهماتها، يمكن أن يحقق توازناً أكبر بين الأدوار المنزلية والمهنية للنساء، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر عدالة وازدهارا.
ويجب أن لا يكون الاعتراف بأن "نصف الاقتصاد موجود في المنازل" مجرد شعار، بل هو دعوة لتغيير النظرة التقليدية لدور المرأة، والتأكيد على أن مساهمتها في الاقتصاد تبدأ من داخل المنزل، لكنها تمتد لتشمل المجتمع بأسره.