اخر الاخبار

لم تعد العدالة الاجتماعية حلما يراود الشعوب، خاصة الشعوب التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار القديم، بل أصبحت اليوم مطلبا تضعه الحركات السياسية في مقدمة أهدافها، وهي عند الأحزاب الشيوعية أصبحت واحدة من أولويات برامجها السياسية باعتبارها خطوة لها وجه طبقي في الصراع مع الرأسمالية والأنظمة الرجعية الحاكمة.

مفهوم العدالة الاجتماعية في الفكر السياسي القديم

استدل الآثاريون أن الحضارات القديمة في العراق كانت تعرف العدالة، ففي وادي الرافدين حيث رأى (إله الشمس) إنه اب لولدين هما الحق والعدل، وتطبيق القانون وربما تطبيق الحقيقة، هكذا نصت ملحمة كلكامش، وان حمورابي عام 1792--1750 ق.م، كما - رأى الفكر القديم - أرسلته الآلهة لتوطيد العدل في الأرض، وليزيل الشر والفساد، وينتهي استعباد القوي للضعيف، ومن شريعته استمدت الرعية ذلك الشعور من أن العدالة حق مشروع. وقد تطور مفهوم العدالة عند اليونان ليتحول إلى عدالة اجتماعية وصار مفهوما كاثوليكيا فتحول إلى مصطلح عند الفلاسفة والسياسيين في تلك العصور ، وأنها باتت الصيغة المفضلة والمناسبة في مجتمعات ما بعد عصر الزراعة وخاصة بعد قيام الثورة الصناعية ومنذ العام 1840 م ، وفي السابق تبنى مفهوم العدل الاجتماعي القس الإيطالي لويجي،  والداعية دزرائيلي، وقديما نادى أرسطو بالعدالة العامة ، اما أفلاطون، فقال باختصار إنها أمر فطري، موجودة في الحس والإدراك ونادى بضرورة وجود العدالة والاصول الأخلاقية (ويكيبيديا)، اما توماس الأكويني ، فقد قسم العدل إلى عدل توزيعي وعدل تبادلي، وعرف العدل التوزيعي على أنه  البحث في توزيع المنافع بين الناس مع مراعاة اختلاف ظروف الفرد ، اما الثورة الفرنسية عام 1789 فقد تبنت أفكار روسو في العدل، وتضمن العقد الاجتماعي استعراضا مهما لمسألة التباين بين البشر، ولكنها عند المدرسة الماركسية هي عودة الحق إلى أهله ومنهم العمال الذين يستحوذ الرأسمالي على قوة عملهم ، ويتركهم في صراع طبقي يهدف إلى إشاعة الملكية بين الناس بعد أن تمر بملكية الدولة لكل وسائل الانتاج ، وأن العدالة الاجتماعية وفقا لماركس ، فأنها تتحقق من خلال فكرة، كل حسب عمله ولكل حسب حاجته. كما جاء في كتابه نقد برنامج كوتا عام 1875، وقد درج اليسار والاحزاب الشيوعية منذ صدور البيان الشيوعي عام 1848 على المطالبة بالعدالة الاجتماعية ولكن وفقا لنظرية الصراع الطبقي القائمة على استحصال الحق بالنضال لا بالاستجداء.

العدالة الاجتماعية لدى الامم المتحدة

عرفت الأمم المتحدة العدالة الاجتماعية عام 2006، إنها تعني توزيعا منصفا ورحيما لثمار النمو الاقتصادي، وأن هذه العملية يجب أن تتضمن النمو المستدام الذي يسخر البنى الطبيعية ومحاولة استخدام الموارد المحدودة وان تتمكن أجيال المستقبل من التمتع بأرض جميلة. وفي العموم أن هذه الدعوى يراد من ورائها توزيع ثروات الأمم بالتساوي بين أفراد شعوبها. بعد أن تركزت هذه الثروات بيد القلة من أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب النفوذ السياسي، ومطلب العدالة الاجتماعية يعني أيضا المساواة بين الناس، وأنها مفردة تعبر عن معاناة البشر من التمييز الاقتصادي، لتتحول تدريجياً لأن تكون معنى جامعا هدفها العدل بين البشر، وقد تبنت الامم المتحدة هذا المضمون وأقرت له يوما أطلقت عليه باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية وفقا لقرار الجمعية العامة المتخذ في 26 تشرين ثاني من عام 2007. وقد تم ومنذ الدورة 63 اعتبار يوم 20 من شباط من كل عام يوما يحتفل به العالم اجمع ليذكر الجميع بأهمية العدل في توزيع الثروات بإنصاف، والمناصب وفقا لتكافؤ الفرص والكفاءات. وقد تبنت منظمة العمل الدولية، ومنظمات دولية أخرى هذا المفهوم للعمل بموجبه إلى جانب منظمات المجتمع المدني الدولية إضافة إلى الأحزاب اليسارية، خاصة الأحزاب الشيوعية، التي كانت ولا زالت تدعو للقضاء على التمايز الطبقي، وإعادة النظر في مسألة تركز الثروات بيد القلة من الرأسماليين، وان تلك الأحزاب والمنظمات اليسارية ونقابات العمال هي من يحيي بحق ويحتفل سنويا باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية.

العدالة الاجتماعية ومستلزمات التطبيق في العراق

على الرغم من كون بلادنا تمتلك كل مستلزمات النهوض الاقتصادي، بل كل مستلزمات تحقيق أهداف العدالة الاجتماعية، إلا أنها ومنذ تأسيس دولتنا عام 1921 فشلت في إقامة العدل الاجتماعي، وفشلت كل الحكومات المتعاقبة. منذ قرن في إنصاف الفقراء من الفلاحين والعمال والكسبة (باستثناء فترة ما بعد ثورة 14 تموز حيث تم تطبيق قانون الاصلاح الزراعي وتحديد الأدنى للأجور وانشاء نقابات العمال )، ولا زالت نسب الفقر عالية جدا بالقياس إلى موارد البلاد ( حسب تقييمات الأمم المتحدة وألبنك الدولي)، ولا زالت محافظة المثنى منذ الأربعينيات تفوق نسبة الفقر فيها ال 40 بالمئة ، وكذلك تئن من نسب الفقر العالية أخواتها في الفرات الأوسط والجنوب، واليوم يتراجع النمو فيها لقلة المياه وتراجع الزراعة، ولم تكن الحكومات في مختلف العهود بقادرة على تبني برامج حقيقية للقضاء على الفقر، بل كل منها يزيد الفقير فقرا ، واليوم ونحن تحتفل باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية نراها مفقودة في بلادنا برغم من تحسن أوضاع الكثير من الناس ممن كانوا من الفقراء إلا أنهم يظلون أقلية، وأنهم احتكروا الثروة والمناصب، وتركت عندها الكفاءة وفرص العمل الحقيقية ، وصار الأمر منسحبا حتى على فقدان العدالة بين الموظفين والعاملين في دوائر الدولة ، حيث لم تعد الرواتب والأجور موحدة كما يقضي قانون الخدمة المدنية.

إن العدالة الاجتماعية في بلادنا تتطلب إعادة النظر في رواتب المسؤولين ومخصصاتهم ومصروفاتهم، بل ونطالب بإصرار بتوحيد رواتب موظفي الدولة وأجورهم، وذلك بإقرار قانون تعديل سلم الرواتب المعطل لأسباب مجهولة، والعمل قدر الأماكن على إيجاد فرص عمل تتناسب ونسبة النمو السكاني، وهي في العموم 3  بالمئة، ونهيب بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية إيجاد دراسة وحلول جدية لتوسيع القطاع الخاص بعيدا عن بيروقراطية الدوائر الحكومية التي تعمل على تراجع دور هذا القطاع في الاستخدام العام وإعادة توزيع الثروات، بالعمل لا بالرعاية الاجتماعية التي صارت مصدرا للتنفع والكسل .