في آخر زيارة لها في منزلها، رأيتها طريحة الفراش وقد أصابها الوهن، وعلى الرغم مما تعانيه أشرقت أساريرها بابتسامة تدلل على ترحيبها بي. سألتها عن أحوالها؟ أشارت لي بإيماءة توحي عن وضعها الحالي وقدرتها على التحمل.
استرجعت في ذاكرتي حديثها أيام صباها وهي تزور هذا السجن أو ذاك للقاء زوجها القابع في الزنزانة، وهو المناضل الشيوعي حمزة سلمان، الذي أخبرها بسر فريد يتعلق بمؤامرة 8 شباط والانقلاب الأسود على العراقيين، والذي أبلغ به عن طريق سجين آخر يدعي خالد علي الصالح، الذي أخبره أن هناك مؤامرة تحاك من قبل البعثيين ضد الثورة وستحدث في يوم الجمعة من شهر شباط. وحمّلها رسالة صغيرة جداً إلى قيادة الحزب وأوصاها بأن تضعها في فمها. وهي رسالة منه للمناضل الشهيد سلام عادل سكرتير الحزب قبل استشهاده. فضيلة عليوي من مواليد 1/ 7/ 1931 في كرادة مريم، كان والدها يعمل في مجال صيد الأسماك، وكان ابن عمها حمزة سلمان الذي تزوجت منه عام 1951، يعيش معهم في نفس الدار، وكان رفيقاً نشطاً في الحزب، وعمل بكل حماسة واندفاع وسط الجماهير، وتعلمت منه القيم السامية والمبادئ الاصيلة، مما جعل صدام يستولي على بيتهم ويجعل منه فندقاً.
لم تكمل تعليمها ولكنها اتسمت بالوعي والنشاط بين النساء، وعملت في صفوف رابطة المرأة العراقية والحزب في آن واحد. وبعد تأسيس الرابطة مع الدكتورة نزيهة الدليمي، وسعاد خيري، وسميرة الكاظمي، وروز خدوري، وعفيفة البستاني ونظيمة وهبي. تعرض ابن عمها المناضل حمزة سلمان للاعتقال والسجن، مما جعل الرفيق فهد آنذاك يدافع عنه ويدلي بشهادته لصالحه، بأنه رجل بسيط ووالده متوف وشغله عندنا منظف منذ أن كان بعمر الـ 16 عاماً.
أعدم الرفيق فهد بتاريخ 14 شباط عام 1949 وكان لهذا الفعل وقع الصاعقة على الشيوعيين والوطنيين جميعاً. كان ذلك حدثاً لا ينسى في العراق، وظلت الجماهير تتناوله في مجالسها ومثار غضب واستياء ضد سياسة الحكومة تجاه المواطنين والمطالبين باستقلال البلاد وتحريرها من الأجنبي.
في زمن الزعيم عبد الكريم قاسم وبعد إشراقة ثورة 14 تموز عام 1958 طلبوا منها شهادة في محكمة المهداوي على المتهم بهجت العطية الذي دفعها ورماها من فوق السلم بعد ركلها بقدمه في دائرة الأمن بعد ان تم اعتقالها بدلا عن زوجها الذي كان متواجداً في البصرة. في عام 1963 اعتقل زوجها وأرسل إلى سجن (نكرة السلمان)، وتم إعدامه بتهمة التصدي لمؤامرة الشواف في الموصل – وهي تهمة ملفقة ضد المناضلين حينذاك - وأبلغوا عائلته أنه هرب من السجن! ووقتها ترك في مقبرة جماعية مع رفاقه ولم يعرف أحد بمكانه، وبعد البحث تم العثور على قبره في منطقة الخان ضاري، ومن ثم تم نقله إلى الطب العدلي في بغداد واستلمت العائلة جثمان الشهيد، وكان موضوعاً في (گونية)، وبعد تفتيش جيوب ملابسه وجدوا ديناراً واحداً وقد كتب عليه عبارة: "ديري بالچ على الأطفال" وكان لديها سلام، ووثاب وميسلون.
عملت فضيلة في معمل للتمور في السكك وراحت تنشر بيانات الحزب في أرجاء المعمل في الكاظمية وتم التداول أن العاملة أم سلام هي المسؤولة عن ذلك، مما دفع مدير المصنع أن يهددها بالسجن إن استمرت في هذا النشاط. وقد تعرضت للاعتقال وبعد خروجها عادت إلى عملها، وذات يوم أثناء عودتها من العمل أخبرتها أختها بأن ابنها سلام قد تم اعتقاله من قبل رجال الأمن، عندما كان طالباً في اتحاد الطلبة مع زملائه، وبعد خروجه من المعتقل، أرسله الحزب إلى جيكوسلوفاكيا لدراسة الهندسة. بعد التغيير عام 2003، عادت أم سلام للعمل ومن ثم طلبت التقاعد ونشطت في صفوف الحزب وبالأخص في الحملات الانتخابية إلى جانب رفاقها في منطقة الكاظمية بكل حماسة واندفاع لإيصال سياسة الحزب وتوجهاته بهدف الإصلاح نبذ المحاصصة الطائفية ومن أجل التغيير الشامل الذي تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والمساواة في عراق ديمقراطي مزدهر وموحد.
بقيت وفية لمبادئها وهي الآن تعاني من وضع صحي صعب، ترعاها ابنتها ميسلون، وتمنياتنا لها بالصحة والسلامة والشفاء العاجل والعودة الميمونة إلى ميادين العطاء.