كشف أحد النواب عن وجود توجه في البرلمان لفرض عقوبات على كل من يعزف عن المشاركة في الإنتخابات، وتقديم حوافز للناخبين الذين يصّوتون، كالخدمة الإضافية والإعفاءات الضريبية والأولوية بالتعيين، مدعياً بأن الهدف من ذلك ضمان مشاركة شعبية واسعة في هذه الممارسات الديمقراطية، على حد تعبيره.
وإذا كانت هذه المشاركة ضرورية وتنم عن حرص على اختيار الأصلح لإدارة البلاد، وتمثل خطوة مهمة على طريق حشد الجهود لإحداث التغيير الشامل بطريقة سلمية ديمقراطية وتخليص البلاد والعباد من منظومة المحاصصة المأزومة ومن الفساد والخراب وغياب الخدمات الأساسية وضعف الاستقرار السياسي والاقتصادي وهيمنة السلاح المنفلت، وإذا كان نظام تقديم الحوافز لترغيب الناخبين على التصويت أسلوبا متبعا في بعض الدول النامية والتي تعاني من ضعف التقاليد الديمقراطية، فإن قطاعات واسعة من أبناء شعبنا رفضوا الأمر بالآليات التي طُرح فيها، والتي لا تعكس جهلاً بأساليب الإدارة الحديثة ونسفاً لمباديء المساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين فحسب بل وتشير إلى استهانة غريبة بحقوق الناس وحريتهم في التعبير عن آرائهم ومواقفهم من الحكم وآلياته وأنظمته.
إن تحفيز الجماهير، والتي عُرفت بتعطشها للديمقراطية طيلة عقود مضت، على المشاركة في الانتخابات تتطلب حماية مصداقية الإجراءات التي تتم من خلالها، كقانون يضمن تمثيل الأصوات بطريقة حقيقية، وكمفوضية تتمتع باستقلالية تامة، لا في قمتها فقط بل وفي كل مراكز القرار فيها، وكمنع القوى المسلحة من المشاركة فيها، وإنهاء ما يسمى بالتصويت الخاص (والذي سّمي هكذا كما يبدو لأنه ملكية خاصة بالمتنفذين)، ومراقبة صادقة للمال السياسي والسلاح المنفلت الذي باتت تأثيراته على نتائج التصويتات من أشكال البلية المضحكة، وتنمية وعي الناس ليختاروا على ضوء البرامج السياسية، لا تحت دوافع الإستقطابات الطائفية والقومية، التي يتقن المتنفذون الفاسدون إثارتها قبيل كل حملة انتخابية، ومنها ما يجري هذه الأيام.
وإذا كانت أهداف بعض أصحاب المقترح صادقة، فإن عليهم أن يدرسوا الأسباب التي تدفع الناس للمقاطعة وأن يعملوا جاهدين لتصحيح مسار العملية السياسية أولاً، فعلاً لا قولاً، ومواجهة منظومة المحاصصة والخروج من عباءتها المتهرئة وتجميع كل القوى الخيّرة لتغيير موازين القوى ضدها، والعودة للشعب كي يستعيد ثقته بالمستقبل ويزحف لصناديق الإقتراع في أعراس انتخابية، تلك التي تحولت على أيدي المتحاصصين إلى مآتم للأسف، وأن يعلموا بأن طريق جهنم مليء بالنوايا الحسنة.