اخر الاخبار

يا جبال كردستان يا محبوبة

لمن رجفتي من البرد غطاچ أبونه بثوبه

كل ليلة دمنا الدافي يوگع على الثلج

ويطفي كل اذنوبه.

(كاظم إسماعيل الكاطع)

في ايام 5 الى 16 كانون الثاني 1987، خاض انصار الفوج الاول / قاطع بهدينان، من قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي(حشع)، ورفاقهم من قوات الدعم، التي هبت لإسنادهم،  ووصلت على مراحل، من مقر قيادة قاطع بهدينان، الفوج الثالث، السرية الخامسة، ومقر قيادة قاطع أربيل، وبالاشتراك مع (بيش مه رگة) الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك)، ومقاتلي المقاومة الشعبية من فلاحي القرى في المنطقة، خاض الجميع معارك ضارية، وعلى عدة محاور، وفي ظل ظروف جوية قاسية، ضد الحملة العسكرية الشرسة التي شنتها قوات النظام الديكتاتوري، على مناطق  نشاط  انصار الفوج الاول (حشع)، ومناطق لجنتي عقرة والشيخان لمقاتلي (حدك)، وسكان القرى في المنطقة المجاورة لمقرات الاحزاب، حيث زجت فيها السلطات بوحدات عسكرية مدرعة من الجيش والجحوش، وساهم فيها الطيران الحربي والهليكوبتر.

يوم 5 ـ 6 كانون الثاني تواجد اثنا عشر نصيرا في محور قرية كانيكا، التي تقع عند أطراف ناحية اتروش (قضاء الشيخان ــ محافظة الموصل)، وموقع القرية استراتيجي بالنسبة للمنطقة، في مرتفعات وقمم تطل على ناحية اتروش، لذلك شيد النظام الديكتاتوري هناك قلعة كونكريتية، ومنذ السبعينيات، وضمن سلسة قلاع ومواقع عسكرية، شيدت بتصميم وتنفيذ من شركات رومانية، وكانت القلعة مقرا لفوج استخبارات عسكري. اثناء الاحداث التي نتحدث عنها كانت السلطة قد اخلتها ارتباطا بأوضاعها العسكرية على جبهات الحرب مع إيران وأيضا تنامي نشاط ومقاومة فصائل البيشمرگة والأنصار في كردستان. شنت قوات النظام الديكتاتوري يوم 5 كانون الثاني هجوما مباغتا شرسا على المقاتلين المتحصنين على جانبي قلعة كانيكا، ومن ضمنهم الاثنا عشر نصيرا شيوعيا، كان هو افتتاح هجماتها في المنطقة بعدة محاور، بدأته بالقصف المدفعي والدبابات وبالطيران وفشلوا في التقدم حيث دافع المقاتلون عن مواقعهم ببطولة وشراسة وأوقفوا أي تقدم للأليات والافراد على الطريق الصاعد نحو القلعة. توقف القتال عند المساء، وفي تلك الليلة هبط الثلج بغزارة وغطى بيوت قرية كانيكا التي هجرها سكانها بسبب من المعارك المحتدمة، فتسلل اليها الأنصار وقضوا ليلتهم هناك في ترقب وانتظار. في البيوت وجد الأنصار أفعالا بسيطة تدل على ان الحياة توقفت فجأة، فثمة أفعال ناقصة: طعام غير جاهز على موقد النار المطفأ، ملابس مغسولة مهيئة للنشر، فراش يبدو وكان صاحبه تركه توا وسيعود اليه، الخ. نظم الأنصار الحراسات وتكدسوا في غرفة صغيرة ليناموا بطريقتهم (عوائل) كل اثنين يشتركان بفراش واحد ويلتحفان غطاء واحدة، هكذا صار من نصيب النصير جنان ويوسف أبو الفوز ان يناما معا وسط تعليقات ومزاح بقية الأنصار.

في اليوم الثاني من الاحداث، يوم 6 كانون الثاني، ركز الطيران والمدفعية قصفه الكثيف باتجاه قلعة كانيكا، فأخلاها الأنصار، لأنها أصبحت دالة واضحة للقصف المدفعي الكثيف، وتحصنوا قليلا شرق القلعة، بين الصخور العالية التي كانت تحميهم من قذائف المدفعية التي لم تتوقف. وبعد فترة من المناوشات وعند توقف القصف المدفعي بشكل مفاجئ، توجه ثلاثة أنصار، لاستطلاع موقع القلعة، النصير الأول كان الشهيد ياسين (جماهير أمين الخيون ـ شاعر. مواليد 1961 ابن المناضل الشيوعي المعروف أمين الخيون الذي اغتيل في سبعينيات القرن الماضي من قبل النظام الدكتاتوري البعثي. ساهم ياسين في فعاليات بمختلف النشاطات الثقافية الانصارية. في اثناء ادائه مهام حزبية في بغداد نهاية ثمانينات القرن الماضي، اعتقل وغيبت اخباره، حتى سقوط النظام الدكتاتوري حيث عثر على اسمه في سجلات المعدومين من قبل النظام المقبور.)، النصير الثاني جنان (فارس جرجيس موسى) والنصير الثالث يوسف أبو الفوز، وحين اقتربوا من بناية القلعة، فوجئوا بوجود مجموعة من حوالي ثلاثين شخصا من مرتزقة النظام (الجحوش) ومعهم وحدات خاصة من الاستخبارات العسكرية نجحوا وتحت ستار الضباب الكثيف بالتسلل الى موقع القلعة، وطالبوا الأنصار بالاستسلام. كان رد الأنصار الفوري هو النار. ومن مسافة لا تتعدى أربعين مترا حصلت مواجهة شرسة بين الأنصار وقوات النظام، وهب بقية الأنصار لإسناد رفاقهم وتسهيل انسحابهم وكان أول المبادرين الرفيق النصير أبو نصير (هرمز خوشابا هرمز ــ كان امرا للسرية الرابعة/ أنصار الفوج الاول. من قرية (عين بقرة) سهل الموصل. مواليد 1951.عامل قالب. كان أصغر نصير في تشكيلات الانصار في الستينيات. التحق بقوات الحزب من جديد نهاية السبعينيات وتحمل عدة مسؤوليات عسكرية. تعرضت عائلته إلى الابتزاز والمضايقات باستمرار، واضطرت زوجته واطفالها الخمسة إلى الالتحاق به الى الجبل. استشهد في 23 تموز 1987 في معركة قرية شيخكا في سهل الموصل والتي كانت مقرا في المنطقة لاستخبارات النظام الدكتاتوري. في حملات الإبادة المسماة بالأنفال في شهر اب 1988 ومع عشرات الآلاف من سكان القرى التي هدمها النظام الدكتاتوري تم تغييب وإضاعة آثار زوجته ام نصير واطفالها الخمسة.

استشهد خلال تلك المواجهة الشرسة، عند قلعة كانيكا، النصير البطل جنان (فارس جرجيس موسى) مواليد 1964، من قرية "بنداويه" (القوش ــ الموصل) سائق بلدوزر. التحق بقوات الانصار في عام 1983‎. كان الشهيد جنان قد تميز بحمله للأسلحة الرشاشة المتوسطة، التي تحتاج الى مهارات عسكرية وامكانيات جسدية، وقبيل استشهاده كان قد أنهى بنجاح دورة حزبية في مقر قاطع بهدينان لقوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي، وكان فرحا بإنجازه وراح يشاكس رفاقه بأنه صار عنده (شهادة)!

أبدى الأنصار في أحداث كانون الثاني 1987، في كل المحاور، آيات من البطولة والمقاومة والصمود والبذل، وكانت اياما اسطورية، حافلة بالمجد، غدت أحاديث الجماهير ونسجت عنها وعن شهدائها وأبطالها قصصا كثيرة!

المجد والخلود للشهداء وتحية للأنصار الابطال.