في سيرة الحياة الغنية التي كتبتها عن إليانور ماركس والموسومة (حياة إليانور ماركس)، وقد صدرت عن (بلومزبري) عام 2115، أضاءت الكاتبة البريطانية راشيل هولمز، حياة إبنة ماركس الصغرى، أحد أسلاف الاشتراكية، النسوية البارزة، والأممية اللامعة، والقائدة النقابية، والمحررة والمترجمة من والى لغات عدة، وأحد أبرز مؤسسي الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي، أول حزب اشتراكي في بريطانيا، سوية مع ويليام موريس وهنري هايندمان، كما جاء في المقال الذي الذي نشرته دانا ميلز، مؤخرا، في صحيفة (المورننغ ستار) البريطانية، احتفاء بالذكرى الـ 170 لميلادها. فقد ولدت إليانور ماركس في لندن يوم 16 كانون الثاني 1855، وصارت أحد ابرز القادة السياسيين والنقابيين في بريطانيا. وسعت الى تحقيق غاياتها، بكل نشاط وجرأة، واجتذبت الحشود الى خطاباتها، وظلت مخلصة لرفاقها وعائلتها، وكانت من عشاق شكسبير وإبسن وفلوبير، وقد كتبت عنهم وترجمت لهم.
وقالت هولمز في بداية سيرتها إن "إليانور ماركس غيّرت العالم". وجلي أن هولمز تمجد عائلة ماركس، وتقول إن ماركس هو "أحد أعظم العقول في عصرنا"، وإن (رأس المال) هو "الكتاب الأكثر أهمية منذ الانجيل والقرآن والتلمود وأعمال شكسبير".
سياسية من رأسها حتى أخمص قدميها
كانت إليانور، الجميلة، المتقدة، ذات العينين السوداوين، والشعر الأسود المتجعد قليلا، فتاة عبقرية طلقة بلغات عدة، وفي التاسعة من عمرها كتبت توسي (وهو اسم التحبب الذي أطلق عليها في العائلة) رسالة الى أبراهام لنكولن، الرئيس الأميركي في ذلك الحين، وفي وقت لاحق قالت "أنا مقتنعة تماما أنه بأمس الحاجة الى نصيحتي".
وكانت إليانور ماركس سياسية من رأسها حتى أخمص قدميها على حد تعبير أمها جيني ويستفالن. وقضت سنوات مديدة من حياتها في المنظمة الاشتراكية في عصرها، والمعروفة باسم الأممية الثانية، التي كانت فيها قائدة الى جانب روزا لوكسمبورغ وكلارا زيتكين وإدوارد بيرنشتاين وآخرين.
وعندما ولدت إليانور كانت العائلة، التي تتكون من ستة أفراد إضافة الى المربية، تعاني من شظف العيش في شقة بائسة صغيرة في حي سوهو بلندن. غير أن ما كانت تفتقر إليانور إليه من رفاه مادي عوضته عبر الثقافة والفكر النيّر الذي كان يسود حياة عائلتها. ومنذ البداية نشأت علاقة وطيدة بين إليانور وأبيها ماركس وسمها، من بين أمور أخرى، الاهتمام بالكتب ومسرحيات شكسبير، فضلا عن الفكر والنشاط السياسي.
ولم تكن إليانور شغوفة بالمدرسة ومنهجها البطرياركي، وقد وجدت في مناخ البيت تعويضا غنيا، عبر التأثير الذي مارسه أبوها ماركس وعمها إنجلز وكذلك أمها جيني.
وكان أفراد عائلة ماركس يقرأون شكسبير سوية، ويقضون أوقاتا في التمشي في أيام الآحاد في مرتفعات هامبستيد بلندن، وهم مبتهجون بشكسبير وغوته ودانتي.
كانت إليانور ماركس خطيبة بارعة. وفي إحدى المرات، وبعد إلقائها 40 خطابا خلال ثلاثة أشهر أعلنت عن إصابتها بالتهاب الحنجرة، ولكنها عادت، مع ذلك، الى ممارسة هذا النشاط بعد أسابيع عدة.
كان ماركس يعتمد على إليانور كثيرا، من الناحيتين الفكرية والعاطفية، فقد كانت سكرتيرته ومساعدته، ورفيقته في حضور مؤتمرات اشتراكية في بلدان عديدة. وقامت بتحرير كتاباته السياسية الرئيسية، وكانت أول كاتبة لسيرته، وقد اعتمدت كل السير اللاحقة عن ماركس ومعظم السير عن إنجلز على عمل إليانور باعتباره المصدر الأساسي لتاريخ العائلة. وكانت إليانور قد شرعت بكتابة سيرة أبيها، وكتبت الى كارل كاوتسكي بشأن الموضوع قائلة إنه "يجب أن يقف عمله كما هو، وعلينا جميعا أن نحاول التعلم منه، ويمكننا أن نمشي في ظل قدميه الهائلين". هذا ناهيكم عن ترجماتها، وبينها الجزء الأول من (رأس المال)، الى الانجليزية.
ومن بين نشاطاتها الأخرى أنها أسست "نادي دوغربي" عام 1877، وهو مجموعة لقراءة شكسبير، الذي كانت إليانور تحفظ مقاطع من أعماله وهي في سن الرابعة. وانضمت الى العديد من الجمعيات الأدبية، وأصبحت مترجمة محترفة، وظلت ترجمتها لرواية الفرنسي غوستاف فلوبير (مدام بوفاري) النسخة الانجليزية الأساسية حتى خمسينيات القرن الماضي.
وفي عمر السادسة عشرة كان لكومونة باريس عام 1871 تأثير عميق على إليانور. فقد كان الدور الذي لعبته النساء وأهمية الكفاح الموحد بين رجال ونساء الطبقة العاملة ملهما لإليانور، التي قامت بزيارة شقيقتها لاورا في فرنسا في ذلك الوقت، حيث كان زوجها بول لافارج مفقودا. وأثناء زيارتها القصيرة تلك اعتقلت إليانور وجرى التحقيق معها خلال ثلاثة أيام. وعند عودتها الى لندن انغمرت في القضية، ونظمت حملات الدعم لللاجئين الفرنسيين. وفي عام 1873 ساعدت بروسبير أوليفييه ليساغاراي، المشارك في كومونة باريس، والذي لجأ الى لندن بعد هزيمة الكومونة، في كتابة تاريخ الكومونة، وترجمت كتابه الى الانجليزية. وأكدت إليانور في مقدمتها لكتاب ليساغاراي، الذي يعد أفضل كتاب لشاهد عيان على تلك الفترة من التاريخ الفرنسي، أن هذا الكتاب هو التاريخ الوحيد الموثق الذي يمكن الاعتماد عليه. وكانت المقدمة تجسيدا حيا لروح إليانور الأممية، وتمسكا خلاقا بتفسير ماركس للكومونة.
امرأة غيرت العالم
لقد غيرت أليانور ماركس العالم، حسب هولمز، وفي هذه العملية حوّلت نفسها الى امرأة ثورية. وهذه هي القصة التي ترويها هولمز عن الكيفية التي قامت بها إليانور ماركس بذلك. كانت حياة إليانور واحدة من أهم الأحداث في تطور الديمقراطية الاجتماعية في بريطانيا الفكتورية. ومنذ ماري وولستونكرافت لم تقدم أية امرأة ما قدمته إليانور ماركس من مساهمة تقدمية عميقة للفكر السياسي الانجليزي، فقد تركت إرثا هائلا لأجيال المستقبل. وقد روت هولمز القصة الملحمية للمرأة التي عملت، على نحو لا نظير له، ووسط صعاب ومرارات في أزمنة مضطربة، من أجل قضية الاشتراكية والنساء، فقدمت هولمز لنا إليانور ماركس التي قلّ نظيرها، والتي لا يمكن نسيانها.
كانت إليانور ماركس كاتبة ثورية، امرأة ثورية، ومناضلة ثورية، وهي إنسانة قول وفعل. وكان والدا إليانور، كارل ماركس وجيني ويستفالن، ومن يسمى "أباها الثاني"، إنجلز، أبناء الرأسمالية الصناعية. وقد نشأوا سياسيا في أوروبا الثورية في أربعينيات القرن التاسع عشر، ولكن أفكارهم الناضجة صيغت من رماد تلك الاشتراكية الطوباوية والمثالية. وجرى الاعلان عن المأثرة العالمية للرأسمالية في العقود التي أعقبت عام 1848. وكانت إليانور، المولودة عام 1855، وريثة لتلك الأفكار في عصر حديث مختلف.
خرجت إليانور الى العالم لتمارس وتختبر ما تعلمته من ماركس وإنجلز ومن عائلتها. وسرعان ما أخذها سعيها الى "المضي الى أمام" لتعيشه، الى عوالم جديدة: تجديد شكسبير، الحقول الثقافية للمسرح الراديكالي الحديث، الرواية المعاصرة، والدوائر الفنية لبلومزبري.
موهبة الصداقة
كان الناس يشعرون بارتياح لرفقتها. لدى إليانور موهبة الصداقة. فقد كانت جذابة للآخرين بطريقة غير تقليدية. ولم تكن علاقتها المديدة مع إنجلز، وصلاتها مع جورج برنارد شو، وويل تورن، وويلهلم ليبكنخت، وهنري هافيلوك إيليس سوى أمثلة قليلة على نجاح علاقاتها.
وكانت إليانور الإبنة المادية والروحية لمجموعة نساء عرفنها باعتبارها قوية مثل أبيها: الأهم بينهن أمها جيني ويستفالن، وأمها الثانية هيلين ديموث، وليزي بيرنز، شريكة حياة إنجلز. وفي مراهقتها كانت صداقتها مع نساء مميزات قد طورتها. وهذه الأخوة هامة لفهم القوى التي جعلت إليانور محبوبة في عائلتها، وفي أوساط الكثير من الرجال والنساء. وتعتبر العلاقة الوثيقة بين إليانور ماركس وأوليف شراينر، الروائية الجنوب أفريقية، إحدى العلاقات العظيمة بين النساء، لا في سياق التاريخ الأدبي والسياسي حسب، وإنما، أيضا، في التاريخ الحياتي.
ومنذ وقت طفولة إليانور – ستينيات القرن التاسع عشر – كانت الاشتراكية هي الآيديولوجية المرتبطة بالصراع الجديد ضد الرأسمالية. وكانت حياة إليانور واحدة من العناصر المهمة في الاشتراكية البريطانية. وكما لاحظ إيريك هوبسباوم ففي ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر كان الاشتراكيون في بريطانيا في قاعة صغيرة، بينما إليانور هي الماركسية الوحيدة التي كانت اشتراكية انجليزية وأصدقاؤها ربما ملأوا أكثر من نصف تلك القاعة. وقالت إليانور إن الاشتراكية هي، في الوقت الحالي، في هذا البلد، أكثر قليلا من كونها حركة أدبية. وقد أخذت هذه الحركة الأدبية من صفحاتها الخيالية الى الشوارع والمسرح السياسي.
وفي ستينيات القرن التاسع عشر أعادت البروليتاريا تجميع قواها وجددت المحاولة للتعامل مع عواقب الرأسمالية. فقد ظهرت حركة نقابية جديدة في سبعينيات القرن التاسع عشر، ومنها نشأت أولى الأحزاب السياسية الديمقراطية في بريطانيا، خصوصا حزب العمال المستقل وحزب العمال الأسكتلندي. وكانت إليانور ماركس واحدة من أبرز قادة الحركة النقابية، ولعل ما ميزها، في هذا السياق، أنها جاءت بالنسوية الى قلب الحركة النقابية في بريطانيا وأوروبا.
لقد ناضلت إليانور من أجل الاشتراكية لا كفكرة نظرية وإنما كواقع، فقد كرست نفسها، على نحو لا يساوم، للأممية. وفي عام 1884 غادرت الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي عندما تحول الى حركة قومية، وبدأت التركيز على العمال البريطانيين. واعترضت، أيضا، على زعيم الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي، هنري هايندمان، وانتهازيته البرلمانية. ولهذا توجهت الى تأسيس الرابطة الاشتراكية مع ويليام موريس. وفي هذا السياق نشير الى أن إنجلز، الذي أصبح المرشد السياسي الرئيسي لإليانور بعد وفاة والدها ماركس عام 1883، كان حذرا جدا في تقييمه للاتحاد الاشتراكي الديمقراطي. وكان موقفه من تأسيسه إيجابيا، ولكنه كان قلقا من أن الكثير من الناس الذين اتجهوا الى الماركسية كانوا من أصول برجوازية. وقال إنجلز إنهم كانوا بحاجة الى الابتعاد عن تأثيرات انتمائهم الطبقي وغرس أنفسهم في موقف الطبقة العاملة. ولفهم موقف إنجلز وإليانور يتعين علينا النظر الى تطور الأفكار الاشتراكية منذ الثورة الفرنسية (1789-1799).
أول قائدة للاضرابات العمالية
وساهمت إليانور في الكثير من اضرابات العمال في مختلف أنحاء بريطانيا. وكانت تقوم بدور المحرض والناطق باسم العمال، بينما كانت تقوم بمهمات يومية أخرى بكل تواضع. وقادت إضراب عمال حوض السفن في لندن عام 1889، وألقت خطابا أمام 100 ألف من المضربين في الهايد بارك. وكانت مؤسسة لفرع النساء في نقابة عمال الغاز وكذلك في الاتحاد العام للعمال. وقد مهدت هذه الاضرابات الطريق الى الحركة العمالية الجديدة في بريطانيا. وقامت إليانور بمرافقة ويلهلم ليبكنخت لمعرفة ظروف العمل في الولايات المتحدة، حيث أصبحت مدافعة متحمسة عن فوضويي هيماركت في محاكمتهم بشيكاغو ضد الاتهامات الباطلة التي وجهت اليهم. وكانت إليانور جريئة وثابتة ولم تفقد بصيرتها الثاقبة ورؤيتها للهدف النهائي: تحرير الطبقة العاملة.
قضية المرأة
في عام 1886 تعاونت إليانور ماركس مع شريك حياتها إدوارد أفلنغ في كتابة (قضية المرأة من وجهة نظر اشتراكية)، وقد كتبت هي الجزء الأكبر منه. والمسألة الرئيسية في الكتاب تؤكد على أن الرجال والنساء يجب أن يعملوا معا لمقاومة اضطهاد النساء، وأن التحرر النسوي شرط ضروري لتحقيق الاشتراكية.
ولم تقف إليانور ضد نسويات الطبقة الوسطى في كفاحهن من أجل حق الاقتراع. ورأت أن هؤلاء النساء هن "بروليتاريات" في بيوتهن بسبب تبعيتهن للأزواج ومعاناتهن من القيود البطرياركية. غير أن إليانور جادلت بأن حقوق النساء بدون الصراع الطبقي ستكون محدودة، بالضرورة، وأن نسوية الطبقة الوسطى أكثر اهتماما بالتنافس مع الرجال منها بتحرير الطبقة العاملة من الرأسمالية.
وأكدت أن اللامساواة بين الجنسين لا يمكن فصلها عن بنية الرأسمالية، ذلك أنها تجعل الرأسمالية ممكنة في المقام الأول. فأرباب العمل يستغلون التقسيمات بين الرجال والنساء والأطفال لابقاء الأجور متدنية والأرباح عالية. وبكلمة أخرى فان لدى الرأسماليين حافزا لاتخاذ مواقف التمييز الجنسي والحفاظ على الطبيعة البطرياركية للنظام الاجتماعي.
لقد قضت إليانور ماركس حياتها مقاتلة من أجل تحرير النساء، ويمكن القول إنها كانت سلفا للنسوية الاشتراكية. وعلى النقيض من المفاهيم الخاطئة الشائعة راهنا، فان النسوية بدأت، في الواقع، في سبعينيات القرن التاسع عشر وليس سبعينيات القرن العشرين. وفي بريطانيا الفكتورية ومستعمراتها المتوسعة كانت مشكلة الاضطهاد الجنسي توصف عموما باعتبارها "قضية المرأة". وبالنسبة لإليانور ماركس لم يكن هذا التوصيف دقيقا، ولهذا غيرته وأسمته "جدل المرأة العاملة". لقد دعمت النداء من أجل حق النساء في الاقتراع. وكان بعض من أفضل أصدقائها من الداعين الى حق النساء في الاقتراع. ولكن اصلاح حق الاقتراع لنساء الطبقة الوسطى في إطار المجتمع الرأسمالي القائم أخفق في معالجة الجدل حول موقف الاشتراكية الديمقراطية تجاه النساء العاملات. ولخصت إليانور موقفها، بوضوح، في رسالة مفتوحة الى الزعيم الاشتراكي الانجليزي إرنست بلفورد ماكس في تشرين الثاني 1895، إذ قالت، وفقا لما أوردته هولمز: "أنا، بالطبع، كاشتراكية، لست ممثلة لـ"حقوق النساء". إن المسالة الجنسية وأساسها الاقتصادي هو ما اقترح مناقشته معكم. إن مسألة ما يسمى "حقوق المرأة" (التي يبدو أنها الوحيدة التي تفهمها) هي فكرة برجوازية. أقترح التعامل مع المسألة الجنسية من وجهة نظر الطبقة العاملة والصراع الطبقي".
وجعلت إليانور ماركس من "قضية المرأة" مسالة جذرية عبر تقديم النسوية الحديثة في بريطانيا عام 1886. وفي العام ذاته طرحت إليانور ماركس والشخصية الاشتراكية الألمانية كلارا زيتكين موضوع النسوية في أولويات برنامج الحركة الاشتراكية في المؤتمر الأول للأممية الثانية الذي عقد في لندن. وفي وقت لاحق، وبإلهام من هذه الأفكار والمواقف، أسست كلارا زيتكين يوم المرأة العالمي.
إن كراس (قضية المرأة) يعتبر معلَما يقدم تحليلا عميقا حول وضع النساء في المجتمع. واعتمادا على تجاربها كامرأة وفهمها العميق للنظرية الماركسية تبحث إليانور ماركس في معاناة النساء من الاضطهاد والتمييز والتهميش في النظام الرأسمالي. ويتحدى هذا الكراس النسوي الماركسي وجهات النظر التقليدية حول الجندر، ويمكن القول بأنه ما يزال يتسم براهنيته كنص أساسي في الحركة النسوية.
إن (قضية المرأة من وجهة نظر اشتراكية) يقف الى جانب (دفاعا عن حقوق المرأة) لوولستنكرافت، و(أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة) لإنجلز، و(غرفة خاصة بالمرء وحده) لفرجينيا وولف.
نتذكر إليانور ماركس، اليوم، كثورية لامعة ورائدة في النسوية الماركسية، ونردد ما قالته راشيل هولمز، ببلاغة، في سيرتها من أنه "ما من أحد تنفس المادية التاريخية بعمق أكثر مما فعلت إليانور، وكان هذا توصيفا حرفيا وليس مجازا".
لقد نشأت "توسي" و(رأس المال) سوية، حتى أن ماركس قال "توسي هي أنا"، كما تقول هولمز. إن حياة إليانور ماركس وشخصيتها تشكل القصة الملحمية للمغامرة والأخلاقية والأزمة والتراجيديا، قصة امرأة استثنائية تجسدت أفكارها وأفعالها في تاريخ الكفاح، وهي تقدم مثالا لقائدة ماركسية لامعة.
في خطابها في الأول من أيار عام 1890، عندما بدا أن الأهداف التي تكافح من أجلها بعيدة تماما، قالت إليانور ماركس، وفقا لدانا ميلز، إن "هذه ليست النهاية، بل بداية الصراع. ولا يكفي أن نأتي هنا لنتظاهر مطالبين بـ 8 ساعات عمل. يجب أن لا نكون مثل بعض المسيحيين الذين يأثمون لستة أيام، ثم يذهبون الى الكنيسة في اليوم السابع، بل يجب علينا أن ندافع عن القضية يوميا، وان نجعل الناس، وخصوصا النساء اللواتي نلتقيهن، يلتحقون بصفوفنا لدعمنا والمساهمة في كفاحنا".