اخر الاخبار

يرى البعض أن العهد الملكي كان حملا وديعا برغم جريه اللاهث وراء المعاهدات والاتفاقيات التي تكبل البلاد وتجعله تابعا باستمرار لحكومة جلالة الملك، وكانت وثبة كانون، تلك التي اندلعت في 27 كانون ثاني عام 1948 على إثر إعلان معاهدة بورت سموث ( معاهدة جبر ــ بيفن) التي أرادت من ورائها بريطانيا تجديد معاهدة عام 1930 التي كانت بمثابة تكبيل للعراق وجعله قاعدة عسكرية تنطلق منها الجيوش البريطانية لضرب الدول المجاورة أو ضرب الدول الأجنبية المعادية لمخططات بريطانيا، والتي مهدت الطريق لدخول العراق في عصبة الأمم آنذاك، والتي يروج اليوم لذاك الدخول على أنه يوم وطني للعراق، وهو في حقيقته (يوما لقاء معاهدة مذلة )،  وحال اعلان المعاهدة انطلقت المظاهرات الشعبية تدين صالح جبر رئيس الوزراء آنذاك، ووزير خارجيته فاضل الجمالي لقيامهما بتوقيع تلك المعاهدة، وقد تقدمت الجماهير المتظاهرة قيادات وقواعد حزبية متعددة ، ولكن كان في مقدمتها قيادات  الحزب الشيوعي العراقي وقواعده، تلك المظاهرات التي انطلقت من جانب الكرخ لكي تلتحق بالمتظاهرين المتواجدين في جانب الرصافة وقد عبرت المظاهرة سائرة بعنف الشباب باتجاه ( جسر العتيگ) جسر الشهداء حسبما أطلقت عليه ثورة 14 تموز. وكانت التظاهرات تهتف ضد حكومة صالح جبر وتنتقد بشدة المعاهدة وتطالب باستقلال العراق وإبعاده عن الفلك السياسي البريطاني، وقد قامت وزارة الداخلية بتسخير الشرطة للتصدي للمتظاهرين وقد تم حشدهم فوق أسطح الجوامع في جانبي الكرخ والرصافة إضافة الى أسطح البنايات العالية وكذلك انتشرت الشرطة وقوى الأمن في الأزقة والشوارع بانتظار المتظاهرين والانقضاض عليهم  وقد تم نتيجة ذلك مقتل الكثير من المتظاهرين وهم فوق الجسر ، وجرح آخرين ، وقد أطلق على تلك العملية والقتل هذا ،،، بدگة الجسر ،،،، والدگة عند البغداديين تعني العمل المشين أو  (الفاينة) .

إن وثبة كانون عام 1948 كانت واحدة من معارك شعبنا ضد التدخل الخارجي، وخاصة هيمنة بريطانيا آنذاك على القرار السياسي العراقي، وكان من نتائج هذه الانتفاضة أن تم الغاء المعاهدة واستقالت حكومة صالح جبر، وشكل الوزارة من بعده السيد محمد الصدر، والمطلع على بنود معاهدة بورت سموث يجد أنها أعطت لبريطانيا حقوقا غير محدودة لتواجد جيوشها في العراق ، وأعطت جنرالات الجيش البريطاني حق مناقلة القوات بين القواعد العسكرية العراقية والمعسكرات التي يقيم فيها الجيش العراقي، وقد عملت تلك القوات على سبيل المثال على وأد ثورة العقداء الأربعة (ثورة مايس) عام 1941 بقيادة رشيد عالي الگيلاني . كما وأن لبريطانيا بموجب تلك المعاهدة حق استغلال خطوط السكك الحديدية لمناقلة الجيوش بين المدن العراقية، وقد تم إعطاء القائد الميداني البريطاني سلطة القاضي في المسائل التي تتعلق بحركة الجيوش للعدوان على الدول المجاورة وعلى أعداء بريطانيا.

أن من يحاول اليوم تلميع صورة العهد الملكي أمام الأجيال إنما يريد بشكل أو بآخر تبرير الوجود الأجنبي للدول الرأسمالية الطامعة بالعراق هذه الأيام، لا لشيء إلا لموقعه الاستراتيجي ومكنونات ثرواته غير المحدودة، وما وثبة كانون إلا نموذجا لإصرار شعبنا على عدم موافقته لاي تبعية ومن أي شكل كانت.