قبل أيام، وأنا أتابع أحد البرامج الخبرية، لاحظت موضوعًا في إحدى الصحف كان تحديدا يتناول موضوع المياه والري، ويطالب بإنشاء سدود جديدة لغرض حفظ المياه وتطوير الزراعة. وفي مكان آخر، كانت هناك مطالب بتعويض الفلاحين الذين لم تدخل أراضيهم ضمن الخطة الزراعية، سواء كان في الموسم الصيفي أو الشتوي، بسبب شحة المياه. ولم أر في ذلك إلا زيادة في الارتباك. في البداية، نرى أن العراق يمتلك سدودًا وخزانات مياه تكفي لخزن أكثر من 150 مليار متر مكعب، ولم تدخل الأراضي العراقية أكثر من 20 مليار متر مكعب للعوام السابقين. فلماذا إذن بناء سدود جديدة؟ هل لزيادة الفساد؟! وفي الجانب الآخر، إلى متى تستمر عمليات التعويض والأراضي غير المزروعة والمتروكَة للتصحر والتمليح؟! إذن، لا بد من طرق ووسائل جديدة لتطوير الريف والزراعة العراقية.
إن الزراعة المستدامة هي إحدى الوسائل المتبعة في كثير من بلدان العالم لتطوير الإنتاج الزراعي واستدامته. وتعتمد فلسفة الزراعة المستدامة على:
أولًا: حماية البيئة مع حماية الموارد الطبيعية.
ثانيًا: تأمين دخل عادل وكافٍ للفلاحين والمزارعين حاليًا.
ثالثًا: عدم المساس بقدرة الأجيال القادمة على العيش من الزراعة والحصول على دخل عادل من الزراعة بكافة أشكالها النباتية والحيوانية في المستقبل.
وتتطلب هذه الفلسفة مجموعة من المطالب أو الشروط لغرض تنفيذها، منها:
أ: تطوير المعارف العلمية في هذا التخصص وفي كافة التخصصات الزراعية.
ب: توفير الموارد المالية اللازمة للقطاع الزراعي ومنحه الأولوية في ذلك، وعدم تحديد موازنة القطاع الزراعي بمبالغ ضئيلة ووضعه في آخر القطاعات الإنتاجية كما هو الحال الآن.
ج: استخدام الدورات الزراعية.
د: تدوير النفايات بما فيها مياه المجاري.
هـ: استخدام الأجهزة الموفرة للطاقة والتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، وبذلك نقلل من التكلفة ومن انبعاثات الكربون.
و: استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة والري واعتبارها نهجًا ثابتًا في العمل، وهذا يتطلب إعداد الدراسات حول التقنيات التي تتناسب مع الظروف العراقية من نوعية المياه في أحواض دجلة والفرات أو المياه الجوفية في البوادي العراقية وكذلك نوعية التربة في الأراضي الطينية والمزجية والرملية.
ز: زيادة الوعي لدى الفلاحين والمزارعين من خلال زيادة دور المؤسسة الإرشادية التابعة لوزارة الزراعة وتطوير أدائها وتقديم الدعم لها وتوعية الفلاحين بأهم الأساليب والطرق الزراعية المستخدمة في الزراعة المستدامة مثل الزراعة الذكية والزراعة العمودية التي توفر مساحات واسعة وإدارة التربة فيها سهلة، وكذلك الزراعة المائية التي استخدمت في إنتاج الأعلاف بشكل دوري ومستمر، إضافة إلى الزراعة في البيوت البلاستيكية والزجاجية، وهي في الفترات الأخيرة استخدمت على نطاق واسع وبالأخص في زراعة الخضروات مثل الطماطم والخيار والباذنجان والبامية، وكذلك في المشاتل لإنتاج شتلات الفاكهة والخضروات ونباتات الزينة.
إن هذا كله يتطلب اعتماد الزراعة المستدامة سياسة رسمية لوزارتي الزراعة والري العراقيتين، ويتطلب أن تكون هناك هيئة متخصصة بذلك أو أقسام خاصة بذلك تضم كافة الفروع العلمية في الزراعة والمياه من إنتاج نباتي ووقاية مزروعات وتقنيات حديثة.
ـــــــــــــــــــــ
*مهندس زراعي استشاري