اخر الاخبار

وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس دعوته لتعديل مدونة الأسرة المغربية في خطاب موجه إلى رئيس الحكومة ومنحه مدة ستة أشهر لتقديم المقترحات ومما جاء في تلك الرسالة التي اكدها الملك: (إن المرجعيات والمرتكزات في تعديل مدونة الأسرة تظل دون تغيير، ويتعلق الأمر بمباديء العدل والمساواة والتضامن والانسجام النابعة من الدين الإسلامي والقيم الكونية المنبثقة من الاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب) وأردف خطابه الملكي هذا بمجموعة من التوجيهات في سبيل إصلاح مدونة الأسرة التي يجب الالتزام بها وهي:

 1-الحاجة لتكييف مدونة الأسرة مع تطور المجتمع المغربي واحتياجات التنمية المستدامة.

2 - الالتزام بمقاصد الشريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع المغربي في تطوير مدونة الأسرة.

 3 - الاعتماد على فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح والتشاور والحوار في هذا السياق.

4 - التأكيد على ان التحسين المنشود يجب ان يركز على اصلاح الاختلالات وتعديل المقتضيات التي أصبحت غير مناسبة بسبب تطور المجتمع والقوانين.

5 - المحافظة على المرجعيات والمباديء الأساسية مثل العدل والمساواة والتضامن والانسجام المستمدة من الإسلام والاتفاقيات الدولية.

6 - ضرورة استخدام الاجتهاد البنّاء لضمان التوافق بين المرجعية الإسلامية والمستجدات الحقوقية العالمية.

انشغل المجتمع المغربي المعروف بمثابرته ووعيه وثقافته بهذه الدعوة إذ أثيرت سجالات بين المحافظين المدافعين بضرورة أن تنتمي هذه التعديلات في مرجعيتها إلى الشريعة الإسلامية في حين ذهب أهل الحداثة إلى الضرورة الشديدة في أن تكون المرجعية التشريعية للتعديل مستندة إلى الاتفاقيات الدولية، ومن خلال هذا المخاض المحتدم قدمت اللجنة المكلفة مقترحاتها إلى العاهل المغربي وقد تضمنت مواضيع عدة منها:

 1 - تحديد سن الزواج عند 18 عاما.

 2 - تعدد الزوجات جائز في حالة عقم الزوجة او وجود مشاكل تمنع المعاشرة الزوجية.

 3 - للمغاربة خارج المغرب يصح الزواج من دون حضور شاهدين مسلمين.

 4 - حضانة الأطفال مشتركة بين الزوجين وتحتفظ الأم المطلقة بحضانة طفلها وان تزوجت بآخر بعد الطلاق.

5 - اعتبار العمل المنزلي مساهمة من قبل الزوجة في الثروة التي يحصل عليها الزوج.

 6 - احتفاظ الزوج الآخر بالبقاء في دار السكن عند وفاة الزوج الآخر.

7 - رفضت اللجنة الغاء إرث الاقارب (التعصيب) إذا كانت الورثة من الإناث واقترح التعديل هبة الأموال للإناث قبل الوفاة.

8 - بالنسبة لنسب الولد خارج مؤسسة الزواج يتحمل الأب كما الأم المسؤولية عن حاجات الولد دون إثبات النسب.

القناعة المتولدة لدى المغاربة أن لتعديل مدونة الأسرة مرجعية تشريعية أخرى هي العهود والمواثيق الدولية موضوع حقوق الإنسان التي تمت المصادقة عليها من قبل المغرب وأصبحت قانونا وطنيا بعد التصديق عليها خاصة عندما يتعلق موضوع التعديل ومواضيعه المتعلقة بالعدل والمساواة والتضامن والانسجام المستمدة منها وبحكم المستجدات العالمية هذا الطرح يؤكد الغاية التي تدفع الدول إلى التصديق عليها المفضي إلى وضعها في موضع التطبيق لتؤدي الوظيفة المناطة بها. هذه النظرة الإيجابية التنويرية للعهود والمواثيق التي يتمتع بها المغاربة ملكا وشعبا أفضت إلى رسم مباديء جديدة رائدة للاسرة لم تألفها التشريعات المغربية من قبل منها على سبيل المثال : منح الأسرة وظيفة اجتماعية من خلال موضوع التنمية المستدامة، وبقاء الحضانة للأم المطلقة ولو تزوجت برجل آخر، فضلا عن النأي بالنفس عن زواج القاصرات عندما حدد المقترح سن (18) عاما للزواج إضافة إلى اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تكوين ثروة الزوج والمقترح المهم جدا هو تحمل الأب كما الأم حاجات الولد المولود خارج مؤسسة الزواج ومن دون اثبات النسب. هذه المقترحات وسواها ترسم للمتلقي من الدول العربية والمسلمة مستوى الوعي العالي لدى هذا الشعب المهموم بالمعرفة والطامح إلى تجديد المنظومة التشريعية للأسرة لقناعتة أن العديد من التشريعات النافذة حاليا والمتعلقة بهذا النشاط قد أصابها الهرم والتقادم فضلا عن أن القسم الآخر منتهي الصلاحية فلا بد والحالة هذه من ايجاد منظومة تشريعية تنسجم والتطورات المتلاحقة التي يفرضها الزمن.

هذا التحول المغربي التنويري لفت انتباهنا نحن المتابعين لحقوق الانسان في العراق ففي الوقت الذي نجد فيه المغاربة ينظرون بعين التقدير والاحترام للعهود والمواثيق الدولية ويجعلون منها مرجعية تشريعية للأسرة أسوة بالمرجعية الإسلامية، نجد ان الآمر معكوسا في العراق اذ الغالب من رجال الدين لدينا والبعض من أفراد السلطة التشريعية وحتى البعض في السلطة التنفيذية ينظرون إلى تلك العهود والمواثيق نظرة سلبية تصل إلى اعتبارها منتجا غربيا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية،  اذ اعتبروا اتفاقية القضاء على كافة  أشكال التمييز ضد المرأة ( سيداو) اتفاقية تسعى لنشر المثلية الجنسية، وأنهم أخرجوا مفردة " الجندر"  من الدراسات الاجتماعية وأحالوها إلى حالة العهر الجنسي وأصدروا إعماما بحظرها. هنا يلاحظ بين عمق النظرة السلبية لهولاء تجاه الإرث الأممي للعهود والاتفاقيات والتي لا يمكن تغييرها بسهولة الا إذا ادخلوا دورة تأهيلية في المغرب لتجديد المفاهيم.

عرض مقالات: