إن الازمة الراهنة التي تمر فيها منطقتنا باستمرار الحرب العدوانية الهجينة في فلسطين ولبنان هي جزء لا يتجزأ من الحرب الامبريالية الهجينة لبسط الهيمنة والنفوذ في منطقتنا والعالم، حيث تصطف الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها الأطلسيون بشكل كامل إلى جانب الكيان الصهيوني الإسرائيلي وتدعمه دعما مطلقا في تصفية القضية الفلسطينية بضم الضفة الغربية وأغوار الأردن واحتلال جنوب لبنان ومواصلة الهجوم العدواني البربري الوحشي الذي حول قطاع غزة وجنوب لبنان والضاحية الجنوبية إلى مناطق غير آهلة بالسكان وغير صالحة للحياة البشرية الإنسانية، وقد كشفت كل هذه الاعمال العدوانية الهمجية وحشية الكيان الصهيوني وإجرامه وإصراره على الإبادة الجماعية للشعب العربي الفلسطيني وتصفية قضيته العادلة التي تقرها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.
إن هذه الاعمال الإجرامية تتم بحماية الولايات المتحدة وحلفائها الإمبرياليين في حلف شمال الأطلسي حيث تجوب الجيوش الأمريكية وأساطيلها وحاملات طائراتها ومعها حلفاؤها الإمبرياليون الأطلسيون كل من (المانيا، وفرنسا ، وبريطانيا) المنطقة لحماية أمن إسرائيل والدفاع عنها وفق إستراتيجيتهم الرامية إلى بسط الهيمنة والنفوذ على المنطقة العربية والشرق الأوسط ، وتأتي تصريحات سموتريت ونتنياهو وغيرهما من القادة الصهاينة الداعية إلى ضم الضفة الغربية واحتلال القطاع وتشجيع الاستيطان وحماية قطعان المستوطنين لتؤكد أنها تلك الاستراتيجية القديمة الجديدة في المنطقة التي وضعتها وخططت لها إدارة بوش الأب وواصلت تنفيذها إدارة كلنتون عبر سياسية الفوضى الخلاقة التي أطاحت بالأنظمة الجمهورية وأسست للدول الفاشلة، وتهدف هذه الإستراتيجية إلى أعادة تقسيم المنطقة وتأهيل إسرائيل للانتقال من دورها القديم كشرطي في المجال العسكري إلى شرطي جديد على الصعيد المالي والاقتصادي ومنحها الهيمنة والتفوق العسكري والتكنلوجي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط الجديد!!!.
إن مخطط الشرق الأوسط الجديد وفق الرؤية الأمريكية يقسم المنطقة إلى ثلاثة اقسام حيث يتكون القسم الأول من المغرب العربي (الجزائر، المغرب، ليبيا) تحت سيطرة أوروبا (فرنسا، وألمانيا وبريطانيا)، والقسم الثاني تحت سيطرة الولايات المتحدة بشكل كامل حيث يتم فيه إحكام سيطرتها على الثروات النفطية في منطقة الخليج العربي ومعها العراق واليمن والتحكم في أسعار النفط عالميا وترك القسم الثالث المتمثل (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) تحت الهيمنة الإسرائيلية المباشرة.
إن المشروع الامبريالي الصهيوني للهيمنة والاستقطاب والنفوذ هو جزء من الصراع الدائر على الصعيد الدولي والذي يهدف إلى تحجيم النفوذ الروسي والحد من التوسع الاقتصادي الصيني والحيلولة دون تشكيل نظام دولي متعدد الأقطاب يضمن مصالح الدول والشعوب على حد سواء وينهي الصراعات الوطنية والإقليمية ويوقف الحروب ويحقق السلام ويجعل المنافسة الاقتصادية هي العامل الحاسم في المفاضلة والصراع بالعلاقات الدولية وينزع الأسلحة النووية والجرثومية والكيميائية ويحقق السلام العادل بين الشعوب، ولكن الولايات المتحددة وحلفاءها الإمبرياليين ومن وراءهم المجمع الصناعي الحربي واحتكارات السلاح العابرة للقارات لن يقبلوا في ذلك ويواصلوا بشتى السبل تأجيج الصراعات و إثارة الأزمات الوطنية والإقليمية، على سبيل المثال استمرار الحرب في غزة ولبنان و الحرب الروسية - الأوكرانية والصراع التايواني الصيني والصراع بين الكوريتين والأزمة الفنزويلية والصراعات العرقية والحروب الأهلية في القارة الافريقية لإحداث المزيد من إخلال التوازن في الصراع الطبقي الاجتماعي على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي لصالحهم ولفرض سيطرة الرأسمال الاحتكاري المعلوم واحتكاراته العابرة للقارات على الثروات البشرية والمادية في المعمورة.
إن الماكنة الإعلامية والآيديولوجية الإمبريالية الساعية للترويج لنموذج اللبرالية الجديدة وبسط نفودها على المشهد السياسي والثقافي ، لم تتوان عن استخدام السياسة المكارثية الجديدة لقمع الحريات والدفع والتحريض لسن القوانين واتخاذ الإجراءات القانونية لمنع التحركات الجماهيرية الداعية لوقف الحرب و تحقيق السلام في العالم، و هي تسعى عبر خطابها الإمبريالي المعولم إلى تعظيم خطاب الكراهية ومعادة السامية وحرف الصراع الطبقي الاجتماعي عن مساره وتعميمه بإضفاء طابع الصراع الديني والعرقي والصراع عليه بين الحضارة والتخلف وغيرها من المفاهيم التي تحاول الترويج لها ماكنة الدعاية الرأسمالية الوحشية المعلومة تحت تأثير واضح من اللوبي الصهيوني.
أن كل هذه الاحداث تجري في ظل تخاذل الأنظمة العربية والإسلامية التي تحاول إقناع المواطن في المنطقة العربية وفي الشرق الأوسط بأنها تسعى لوقف الحرب من خلال ببياناتها الباهتة ومواقفها الخجولة التي لم ترتق إلى المواقف الحقيقية والضاغطة لوقف الحرب، وفي الوقت التي يطالب فيه المجتمع الدولي بتجميد عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، لم يجرؤ أي منها باستدعاء السفير الإسرائيلي وتسليمه مذكرة احتجاج على العدوان او الإقدام على تجميد العلاقة مع إسرائيل او تحميلها مسؤولية خرق الاتفاقات والمعاهدات والقرارات الدولية.
ان القوى الديمقراطية واليسارية والشيوعية في المنطقة العربية والشرق أوسطية والعالم لم يكن موقفها في المستوى المطلوب في مواجهة التطورات العاصفة في منطقتنا والعالم وظلت حبيسة مواقفها التقليدية وصراعاتها الايديولوجية دون أن تقدم على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي على التحرك عبر الشارع للتنسيق والعمل وتطوير تضامنها الأممي بأشكال جديدة و بناء تحالفاتها الواسعة مع كل القوى المناهضة للمشروع الامبريالي وتحريك الشارع لإحداث الضغط على الأنظمة وخلق رأي عام يساهم في تصعيد التضامن العالمي وخلق جبهة واسعة لوقف الحرب.
إن حزبنا الشيوعي العراقي تقع عليه مسؤولية مركبة على الصعيد الوطني في بناء التحالف المناهض للحرب في العراق، وكذلك التحرك عربيا وإقليميا وعالميا لتصعيد النشاطات والقيام بالفعاليات الجماهيرية واستخدام هذه الفعاليات للتواصل مع الجماهير وتوسيع الجبهة المناهضة للحرب وتوسيع قاعدة أنصار السلام لتضم كل القوى والوطنية والديمقراطية والمدنية في بلادنا والمنطقة والعالم.