اخر الاخبار

يعدّ العنف ضد المرأة ظاهرة اجتماعية ممتدة وعميقة الجذور، خصوصاً في المناطق الريفية والمجتمعات ذات الطابع العشائري، ففي هذه البيئات تواجه المرأة عددا من المعضلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية كلها تسهم في إضعاف قدرة المرأة على تحقيق المساواة أو الحصول على حقوقها المشروعة.

ومع حلول اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 تشرين الثاني من كل عام، يصبح من الضروري تسليط الضوء على هذه التحديات وتحليل أسبابها، ونتائجها، والسعي نحو حلول ناجعة لمواجهتها.

كلنا نعلم وضع النساء في الريف، الذي تحكمه العلاقات الاجتماعية بقواعد وتقاليد عشائرية صارمة، تسلب المرأة الكثير من حقوقها الأساسية، وغالباً ما تُجبر الفتيات على الزواج المبكر أو يحرمن من التعليم والعمل، بحجة الحفاظ على "شرف العائلة" أو اتباع الأعراف والتقاليد، هذه القيود تُفاقم من ضعف المرأة وتُكرّس دورها التابع في الأسرة والمجتمع، مما يجعل من الصعب عليها كسر دائرة الخوف والعنف التي قد تعاني منها، إلى جانب ذلك، يبرز غياب الوعي بأهمية الصحة الإنجابية، والأمراض الجنسية كإحدى التحديات الكبرى. والحديث عن هذه الأمور في المناطق الريفية يُعتبر من المحظورات مما تؤدي إلى انتشار الأمراض بصمت بين أبناء المجتمع، وهذا الجهل لا يُهدد المرأة وحدها، بل يعيق تطور المجتمعات الريفية بأسرها ويزيد من هشاشتها أمام الأزمات الصحية والاجتماعية.

تهميش المرأة في سوق العمل

تظهر الإحصائيات أن المرأة العاملة في الريف والمصانع غالباً ما تُهمّش ويتم حصرها في وظائف بسيطة ومنخفضة الأجر، وعلى الرغم من دورها الأساسي في دعم الاقتصاد الزراعي والصناعي فإن حقوقها تُنتقص بشكلٍ ممنهج، ولا تحصل النساء في كثير من الأحيان على فرص متساوية في الوظائف أو الترقية، بل يواجهن تمييزاً قائماً على النوع الاجتماعي والذي يضعف من استقلالهن الاقتصادي.

إضافة إلى ذلك، فإن النساء في المصانع غالباً ما يعملن في ظروف غير آمنة ويتعرضن للاستغلال، سواء من خلال ساعات العمل الطويلة أو الأجور الزهيدة، وهذه المعوقات تضعف أيضا من مكانة المرأة، وتعتبرها قوة عاملة ثانوية مقارنة بالرجل.

أهمية التغيير القانوني والاجتماعي

في ظل مواجهة هذه التحديات، يأتي دور التشريعات والسياسات كعامل حاسم في تحسين واقع المرأة، وهنا لا بد من القيام بإلغاء جميع القوانين التي تنتهك حقوق النساء، والعمل على إقرار تشريعات جديدة تدعم حمايتهن وتمكينهن، على سبيل المثال يُعدّ قانون مناهضة العنف الأسري خطوة ضرورية لحماية المرأة من الانتهاكات التي تتعرض لها داخل المنزل.

علاوة على ذلك من الضروري تعديل مواد قانون العقوبات العراقي (111 لسنة 1969) والتي تتعارض مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، هذه المواد لا تزال تبرر بعض أشكال العنف ضد المرأة أو تخفف من عقوبتها، مما يشجع على استمرار هذه الممارسات.

إن دعم المرأة ومنظماتها الحقوقية في نضالها ضد العنف والتمييز يجب أن يكون أولوية وطنية لتعزيز الوعي بحقوق المرأة، وتوفير فرص التعليم والعمل لها، وضمان حمايتها القانونية هي خطوات أساسية لتحقيق المساواة وتحسين وضعها الاجتماعي والاقتصادي.

رؤية مستقبلية من أجل العدالة والمساواة

من برنامج الحزب الشيوعي العراقي المُقر في المؤتمر الوطني الحادي عشر (بغداد 2021)، تظهر رؤية واضحة لتحقيق العدالة والمساواة للمرأة، وينص البرنامج على ضرورة إيلاء اهتمام كبير ومميّز لقضايا المرأة على الصعيدين الوطني والاجتماعي، مع التأكيد على دعمها في نضالها من أجل إلغاء التشريعات المجحفة بحقها وتوفير بيئة تمكّنها من ممارسة نشاطها بحرية.

إن هذه الرؤية لا تقتصر على معالجة القضايا السطحية، بل تسعى إلى التصدي للجذور العميقة للعنف والتمييز ضد المرأة. وهذا لا يشمل الإصلاح القانوني فقط، بل أيضاً تغيير الثقافة المجتمعية التي تُبرر العنف أو تُقلل من قيمة المرأة.

مسؤولية جماعية لمجتمع أفضل

القضاء على العنف ضد المرأة ليس مجرد قضية نسوية، بل هو مسؤولية جماعية يجب أن يشارك فيها الجميع، من أجل بناء مجتمع متماسك ومتطور يعتمد بشكلٍ كبير على تحقيق المساواة بين الجنسين، وضمان حصول المرأة على حقوقها كاملة دون قيود أو تمييز.

 وفي هذا اليوم الدولي، يجب أن نتذكر أن الاحتفال بهذه المناسبة ليس غاية بحد ذاتها، بل دعوة للعمل والتحرك. ومواصلة النضال من أجل إزالة الحواجز التي تعيق المرأة، سواء في الريف أو المدن، لنتمكن من بناء مستقبل تسوده العدالة والمساواة، واحترام إنسانية المرأة وحقوقها.