لقد أثبتت السياسات الاقتصادية التي طبقتها الأنظمة الدكتاتورية التي تعاقبت على حكم العراق، الأفشال العمد للقطاع العام، وعدم تأمين فرص التشغيل المنتج وضعف القدرة على المنافسة. كما أوهمت الموارد المالية الكبيرة للريع النفطي، هذه الحكومات، بأنها قادرة على معالجة الأزمات الاقتصادية، ومنعتها من إدراك العلاقة السببية بين تفاقم المشاكل الاجتماعية السياسية وبين فشل الخطط الاقتصادية. وقد ظهر هذا واضحاً حين اختفت موارد النفط، بسبب الحصار في التسعينيات، حيث غابت فرص العمل وتزايدت أعداد العاطلين.
وبعد سقوط النظام، والتبني اللفظي لسياسات اقتصادية مختلفة، بقي الحال كما كان، بل اشتد قسوةً، بسبب توقف قطاعات الإنتاج الرئيسية وخاصة الزراعة والصناعة التحويلية وضياع فرص التراكم الرأسمالي، التي يمكن أن تخلق فرصاً للعمل، مما أدى إلى زيادة معدلات البطالة إلى مستويات مخيفة، وصلت إلى 14 في المائة بشكل عام وإلى 33 في المائة بين الشباب وأكثر من 50 في المائة بين النساء.
لقد ساهمت السياسات المتبعة، والأزمات الاقتصادية المتتالية، في انحسار الكثير من النشاطات الانتاجية، فلا تتعدى اسهامات القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي حاجز (4,8) في المائة بسبب إغراق السوق بالمنتجات المستوردة، وضعف الدعم الحكومي، وشح المياه. كما لا يساهم قطاع الصناعة التحويلية، بأكثر من 2 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي، ولا يوفر فرص عمل سوى لأقل من (0,4) في المائة من عدد سكان العراق، فيما فقد ما يقارب 800 ألف عامل وظائفهم في القطاع الصناعي الخاص، بسبب عدم تلقيه اي دعم حكومي ملموس طوال السنوات الماضية، وجراء إغراق السوق بالسلع المستوردة التي تنافس إنتاجه وتقضي عليه.
كما يلعب تغيير أنماط الطلب على الأيدي العاملة في سوق العمل، دوراً مهماً في زيادة العاطلين، وذلك بسبب اختلال العلاقة بين الشروط المطلوبة في سوق العمل والمؤهلات المعروضة من مخرجات النظام التعليمي، لاسيما مع التخلف الكبير في التعليم وتحوله إلى وسيلة للربح العاجل للكثير من الطفيليين، وجراء تدني موازناته في الإنفاق العام.
وتشتد المشكلة تعقيداً، مع غياب سياسة علمية في القبول بالجامعات والمعاهد العالية، وعزوف الشباب عن التعليم المهني والتقني المتوسط، وسيادة أفكار نمطية حول التأهيل الدراسي والعلمي، وإعلاء شأن بعض المهن على غيرها اجتماعياً.
ويمثل تعطل النساء عن العمل، بسبب ضغوط وقيود اجتماعية وسيادة صورة نمطية متخلفة لدور المرأة في سوق العمل، إلى زيادة البطالة وإلى إهدار طاقات نصف المجتمع عن المشاركة في التنمية.
لقد بلغت الأمية مستويات خطيرة، وبات ملايين من العراقيين لا يقرأون ولا يكتبون، في عالم الثورة المعلوماتية والاقتصاد الرقمي، وهو سبب أخر لارتفاع معدلات البطالة.
وقبل التطرق إلى المعالجات، لابد من التأكيد على أن تكون هذه المعالجات ضمن حزمة متكاملة، وفي إطار إستراتيجية وطنية شاملة، تضمن الاعتراف بأن مشكلتي البطالة والفقر، لا يمكن حلهما بزيادة التشغيل في القطاع الحكومي ورفع معدلات الرواتب والمعاشات التقاعدية، بل بالنهوض بالقطاعات الإنتاجية الحكومية والخاصة والبحث عن الاستثمارات الأجنبية. كما يجب إجراء تعديل جدي في الأنظمة والتشريعات وتخليصها من الفوضى والمتناقضات، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتنميتها لكونها مشاريع كثيفة وتساهم فعلياً في امتصاص جزء كبير من البطالة، ومساهمة الدولة في تغطية بعض نفقات التشغيل (مثلاً جزء من رواتب العمال) على أن يرتبط ذلك بزيادة عدد العاملين تدريجياً وزيادة المنتجات وتحسين التصدير.
كما يجب العمل على تحديث القطاع التعليمي عبر ثورة متكاملة، على صعيد المناهج وإعداد المعلمين وطرق التدريس والمختبرات والدورات التدريبية وربط المناهج بسوق العمل، وقبول الطلبة في التعليم العالي والمهني على أساس حاجة سوق العمل، والتنسيق بين وزارتي العمل والتعليم، والمواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وبما يؤدي لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.