اخر الاخبار

الحرب في السودان تتوسط عامها الثاني رغم التحشيد الدولي والإقليمي الداعي لحماية المدنيين الذين يتعرضون للمذابح الهمجية، كما حدث في قرية (السريحة) في شرق ولاية الجزيرة، والتي قتلت فيها قوات الدعم السريع 134 فردا نهاية الأسبوع الماضي. مما يشير بوضوح إلى أن مؤسسات اتخاذ القرار في المجتمع الدولي غير قادرة على إيقاف الحرب ومحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات، لأن تلك المؤسسات غير موحدة في الموقف منها. وأن استمرارها يصب في خانة الصراع الدولي والاقليمي الذي يدور على عدة جبهات في القارة الإفريقية يمثل السودان مركزها. وهي نزاع غرب أفريقيا ونزاع القرن الأفريقي ونزاع منطقة البحيرات. وبذلك تكون العدالة الدولية قد أصبحت في خدمة السياسة الدولية.

والقوى المدنية السياسية التي راهنت على التدخل الدولي لتحجيم تغول العساكر على السلطة ارتكبت خطأ قاتلا بعزلها عن شعبها وجعلها طرفا في الصراع. فقد قبلت من حيث المبدأ بالمساواة بين الدعم السريع والجيش. واستبدلت شعارات الثورة الداعية إلى ذهاب العسكر إلى الثكنات وحل مليشيا الجنجويد بشعار مبهم ينادي بتفكيك الجيش الذي وصفوه بمليشيا الحركة الاسلامية وتكوين جيش وطني جديد مكانه من كل الجيوش. ويقصدون بتلك الجيوش قوات الدعم السريع وجيوش حركات الكفاح المسلح التي تقتضي المعايير الدولية في الحالات المماثلة في كل العالم تسريحها ونزع سلاحها ودمجها في المجتمع وليس في الجيش. والمجتمع الدولي حين يطالب بدمج كل الفصائل المسلحة في الجيش فانه يتنكر للمعايير الدولية التي ينادي بها. وتكررها من خلفه القوى المدنية السياسية او بعضها. وبذلك تكون قد عزلت نفسها عن شعبها الذي قد يقبل بعزل مليشيا الإخوان المسلمين عن الجيش ولكنه لن يوافق على تفكيكه وتكوين قوات جديدة تقوم على أساس محاصصات جهوية يعتبر الجيش السوداني حتى بشكله الحالي أكثر تمثيلا منها لواقع السوداني المتعدد.

لكن تلك القوى المدنية يبدو أنها لا تراهن على أي دور من الممكن ان يقوم به الشعب في إيقاف الحرب. وتعتمد على الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي على طرفي الحرب، رغم بروز شكوك مشروعة في موقف بعض الفاعلين الدوليين من وحدة السودان. وهو ما يجعل الجماهير ترتاب عن حق في التدخلات الدولية ومواقف القوى المدنية السياسية المساندة لها او التي تسبح بحمدها.

لذلك فان بعض أطراف المجتمع الدولي التي تعمل على تفكيك السودان هي الأخرى تعول على استمرار الحرب حتى تصل تلك النقطة التي يقبل الشعب بإيقافها بأي ثمن. والتغاضي عن هذا الهدف من قبل القوى المدنية السياسية والذي بات واضحا لا يمكن النظر اليه بكثير من حسن الظن.

كما أن استمرار الحرب يجعل طرفي الحرب يتورطان في ارتكاب مزيد من الجرائم الدولية والتي يمكن مقايضتها بتنفيذ الأجندة السياسية. لذلك لن تتوقف الحرب لأنها اصبحت استثمارا سياسيا دوليا واقليميا.