يعد التحرش اللفظي أحد أنواع التحرش الجنسي كما يصفه المشرع، وهو أيضا شكل من أشكال العنف ضد افراد المجتمع إذ أنه يعبر عن اعتداء من خلال سلوكيات وتصرفات واضحة مباشرة او غير مباشرة تصدر من شخص يستغل نفوذه او قوته لتلبية رغبته الجنسية من خلال شخص يرفض الاستجابة لها.
وقد تتم عبر إطلاق وصف بعبارات او تعليقات بذيئة غير لائقة من قبل مراهقين او شباب جاوز بعضهم هذا السن حيث يقوم بالملاحقة وإصدار أصوات كالصفير والبسبسة مشفوعة بتلميحات عن الجسد والملبس والمظهر، وفي مكان آخر نجد من يطلق النكات الساخرة او توجيه أسئلة شخصية عن الحياة الجنسية بشكل كريه وخادش للحياء.
هذه التصرفات يراها المختصون بأنها جرائم تمس أمن واستقرار المجتمع، بمعنى أنها ماسة بكرامة الشخص وتثير اعصابه، ويعزوها علماء الاجتماع على انها ناجمة عن أسباب نفسية واجتماعية ترتبط بتراجع التنشئة الأسرية في البيت العراقي مع تفشي الطلاق وارتفاع معدلات نسب الفقر وتفشي البطالة وتدني مستويات التعليم والثقافة. هناك من يرى السبب الناجم عن التنشئة الاجتماعية التي ترى الفعل في هذا السلوك مقبولا في حين يجده فريق آخر أنه ناجم من الجهل ونقص الوعي. لقد صار التحرش اللفظي غير مقتصر على مكان بحد ذاته بل لوحظ انتشاره في بيئات متنوعة ونلمسه في الأحياء السكنية الفقيرة وفي الأزقة بدورها الملتصقة ببعضها والمزدحمة بالعاطلين عن العمل، بل أنها توجد بشكل فاضح وسط مناطق الأثرياء وفي الأماكن العامة مثل المولات والسوبر ماركت وأمام ابواب المدارس والكليات والتي تسبب حرجا وقلقا مزعجا للفتيات.
هذه العوامل مجتمعة تلعب دورا في التميز الجنسي ودور المرأة ومكانتها او ترهيبها لإبقائها في مواقع ضعف، ويمكن أن يلعب الإعلام الحالي دورا سلبيا في تعزيز سلوكيات التحرش اللفظي عبر إطلاق الصور النمطية وفي ظل انتشار المحتويات الهابطة على شاشة التواصل الاجتماعي.
الجدير بالذكر أن بعض المجتمعات عدت هذا الأمر جريمة ورفعت العديد من منظمات المجتمع المدني شعارات تحمل عنوانين تحث المرأة على عدم السكوت وفضح مرتكبيه.
ان قانون العقوبات العراقي لم يتضمن نصوصا شديدة او رادعة لمن يمارس التحرش الجنسي ومنه اللفظي تحديدا الذي يعزوه المختصون إلى افتقارنا لإحصائيات قانونية ثابتة تحدد حجم الجريمة في الوقت الذي شرعت دول عربية وأجنبية عقوبات تصل إلى السجن أكثر من خمس سنوات وغرامات مالية ضخمة. علينا واجب اليوم حماية الحرية الشخصية وعدم المساس بها في ظل أصوات قوى ظلامية تسعى إلى إجراءات تكرس الطائفية والايغال في تمزيق النسيج الاجتماعي.