اخر الاخبار

بات واضحا أن اللاعبين الأساسيين في السودان يدفعون البلاد للسير في طريقين لا ثالث لهما. هما (طريق الشعب) الذي يستجيب لطموحات الجماهير. والآخر الذي يعمل على إعادة انتاج النظام القديم بعد توسيع قاعدته الاجتماعية لتشمل القادمين الجدد من القوى المدنية والحركات المسلحة.

الطريق الاول

دعاة الطريق الأول، من تحالف قوى التغيير الجذري والتكتلات المهنية والشعبية، يتمترسون بكل وضوح خلف شعارات حل المليشيات وسيطرة الدولة المدنية على كامل القرار الاستراتيجي كمدخل لنصب ميزان العدالة والمساواة أمام القانون وعدم الإفلات من العقاب. ومن ثمة الولوج إلى المهمة التي قامت من أجلها الثورة وكل الثورات، وهي وضع سياسات مالية واقتصادية في مصلحة غمار الناس. وهذه عملية تتطلب سد العجز في الموازنة استنادا على الإيرادات الذاتية للفكاك من ربقة القروض والاستدانة من النظام المصرفي العالمي. ودون ذلك إصلاح الخدمة المدنية وفق المفوضيات التي قدمتها أدبيات الثورة قبل ان يختلط الحابل بالنابل. وبتلك الطريقة التي تمكن وزارة المالية من إحكام قبضتها على الايرادات العامة للدولة وتوجيه جريان انسيابها إلى أجهزة التحصيل التابعة للوزارة بدلا عن شركات التحصيل الطفيلية التي تستحلب ثدي الدولة، تاركة سداد العجز في الموازنة العامة بين المصروفات والإيرادات المنهوبة تتكفل به القروض الأجنبية مرتفعة الفائدة وواجبة السداد بآجال محددة.

وهذا عمل كان يتطلب ثورة مثل التي اجترحها الشعب السوداني في ديسمبر 2019. وما كان بالإمكان حدوثه في ظل النظام القائم وقتها، مما يجعل من البداهة الحديث عن قيام سلطة تمثل هذا التوجه، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن.

الاتجاه المعاكس

على الضد تماما بل في الاتجاه المعاكس ينسرب الطريق الذي يقترحه المجتمع الدولي، والساعي لخلق دولة تعاني وهي في الحضانة من الازدواجية في مواقع صنع القرار، حتى يتعذر إصدار قوانين لإصلاح الخدمة العامة وجعلها تعمل في خدمة الناس الذين قاموا بالثورة.

 والهدف من ذلك عدم المساس بالسياسات المالية والاقتصادية للنظام القديم التي تستجيب للمصالح الدولية، مثل رفع الدعم عن القمح والوقود وتعويم سعر العملة الوطنية.

لذلك يسعون لخلق تسوية للحرب الحالية بين من يحملون السلاح في الجيش والمليشيات، ومن ضمنها قوات الدعم السريع، وبين المكون العسكري والمدنيين الموزعين في أكثر من ثلاث جبهات، منها (تقدم) وفلول النظام السابق والكتلة الديمقراطية.

اللاعب الدولي

واللاعبون الدوليون، ومن خلال تجاربهم في مناطق أخرى من العالم، يعلمون جيدا ان دولة تتعدد فيها مراكز القوى ومواقع صنع القرار واتخاذه لا يمكن الحديث فيها عن اي معايير للحكم دع عنك من ان تكون رشيدة.

ورغم الفارق الكبير بين عصابات الارتزاق التي تساوم مصالحها بدماء الأبرياء في السودان وحزب الله الذي يقارع الامبريالية وربيبتها إسرائيل، إلا أن تعدد مراكز القوى قد قعد بالدولة اللبنانية. لكن الخطر الحقيقي يأتي من زاوية ان كل المليشيات في السودان، وكذلك بعض القوى المدنية بما فيها مجموعات النظام السابق التي عادت إلى العلن بعد انقلاب 25 اكتوبر 2021، كلها ذات ارتباطات دولية وإقليمية بعضها يكاد يكون معلنا، مما يرجح بأن الاتفاق المتوقع بين القيادات الانتهازية (عسكرية ومدنية) التي تزحم الساحة حاليا هو بمثابة تقاسم للنفوذ الاجنبي في السودان.

عرض مقالات: