اخر الاخبار

تطور التعليم بشكل إيجابي منذ تأسيس الدولة العراقية، فقد كان للعراق نظام تعليمي، يعّد من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة. وليس أدل على ذلك، مؤشرات منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، والتي تشير إلى اتساع ظاهرة الدراسة خارج العراق والعودة بمعارف وعلوم أسست لمستوى عالٍ في التعليم، وإلى الزيادة السريعة في نسبة القادرين على القراءة والكتابة في ستينات وسبعينات القرن الماضي، لاسيما بعد إنجاز حملات عديدة لمكافحة الأمية.

غير أن هذا المستوى، سرعان ما تردى، بسبب الحروب التي خاضها النظام السابق والحصار الإقتصادي، وتواصل هذا التردي أيضاً، بعد عام 2003، حيث عادت نسبة الأمية لترتفع من جديد، وإنحدرت العملية التربوية لتقع في واقع سيّء وتعتريها الأزمات التي حطت من مستوى التعليم، وحسب مؤشرات التقارير الدورية لليونسكو أيضاً.

معالم الأزمة

لقد برزت مشاكل وتحديات جديدة واجهت التعليم في العراق ترتقي إلى مستوى أزمة تخلف مزمنة، ومن مظاهر تلك الأزمة:

  1. إنتشار الأمية، حيث بلغت نسبتها 18% من مجموع السكان.
  2. إنتشار المدارس الطينية في محافظات جنوب العراق، والتي وصل عددها إلى (٢٠٠٠) مدرسة.
  3. قلة المباني الدراسية المناسبة، فهناك مدارس مزدوجة وحتى ثلاثية الدوام، وحسب وزارة التربية يحتاج العراق إلى تسعة آلاف بناية مدرسية جديدة.
  4. قلة أيام الدراسة سنويا حيث تبلغ 151 يوماً.
  5. تسرب الأطفال من مقاعد الدراسة، حيث تشير الأمم المتحدة، إلى وجود مليون و200 ألف طفل خارج العملية التعليمية، ويعد هذا خسارة مستقبلية للمجتمع.
  6. إنتشار الفساد المالي في ملفات بناء المدارس وطباعة الكتب المدرسية خارج العراق.
  7. ضعف كفاءة المعلم بالتزامن مع ضعف المناهج وطرق التدريس وعدم مواكبتها للتطور.
  8. تدخلات ذات طابع سياسي وطائفي في مناهج التدريس.
  9. إتساع ظاهرة المدارس الخاصة والدروس الخصوصية وبأسعار باهضة، مما تتقلص معه فاعلية سياسة التعليم المجاني.
  10. إفتقار 70% من المدارس إلى المياه النظيفة ودورات المياه الصحية.
  11. عدم وجود أو تخلف المختبرات العلمية والمكتبات والمراسم ووسائل الايضاح.

من المسؤول؟

  1. تسييس النظام التعليمي، وتداعيات الحروب التي خاضها العراق منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى سقوط النظام في 2003.
  2. عدم الإستقرار الأمني واستهداف العاملين بالتعليم من خلال الإعتداءا ت والقتل وغيرها.
  3. التدخلات السياسية التي تؤثر في تطوير البحوث الخاصة بالمناهج.
  4. تعرض المعلمين والطلاب للتهجير القسري.
  5. قلة التخصيصات المالية في موازنات العراق الترليونية.
  6. سوء الإدارة وإنعدام الخطط الإستراتيجية لبناء وتطوير التعليم.
  7. المحاصصة المقيتة وتاثيرها السلبي الكبير على تكافؤ الفرص بين التربويين.
  8. التساهل في منح الشهادات العلمية.
  9. إهمال البحوث وعدم تطوير المناهج الأكاديمية.
  10. دخول الفساد المالي والإداري إلى نظام التعليم.
  11. إفتقار العراق لأبسط معايير الجودة في التعليم (أبنية متهالكة، قلة توفير الرحلات المدرسية، إهمال النشاطات الرياضية والفنية واللاصفية).
  12. ضعف الإهتمام بالتعليم التقني وإنعدام الإبتكار بسبب غياب الدعم والحوافز.
  13. الافتقار إلى دورات تدريب المعلمين بشكل مستمر للنهوض بمستواهم العلمي والمعرفي وعدم الإهتمام بمستواهم المعاشي.

الترابط بين مستوى التعليم وتطور المجتمع

يرتبط المجتمع مع التعليم إرتباطاً وثيقاً بحيث لا يمكن الفصل بينهما، فالمجتمع لايمكن أن يتطور ويُّحدث أو يحافظ على مكانته إذا لم يتساو مع المجتمعات الاخرى بالتعليم. فالتعليم يسّهل التقدم الإجتماعي والإقتصادي من جهة، وينقل المعارف والخبرات وتحديثاتها وتطوراتها من جهة اخرى، وبالتالي يتعلم ابناء المجتمع ويتحسن أداؤهم في بيئة المعارف العلمية والتكنولوجية، فالبلدان التي تحقق النجاح والتقدم والتنمية، هي تلك البلدان التي تهتم بالتربية والتعليم وتربطه مع حاجات البلاد. وتعّد تجارب دول العالم التي تطورت من دول فقيرة إلى متقدمة، مثل سنغافورة، أدلة واضحة لنا. إن التعليم في العراق بوضعه الحالي، غير قادر على المساهمة في عملية التنمية الإقتصادية والإجتماعية، وسيبقى الوضع الإقتصادي متخلفا لسنوات في المستقبل. ويبقى التساؤل عما إذا كان ممكناً تجاوز هذا الوضع والعودة نحو التقدم أو إلى مستوى السبعينات؟ وماهي مستلزمات تحقيق هذا الهدف؟ الجواب عن هذه التساؤلات تكون نعم بالتأكيد، حيث يمكن تجاوز هذا الوضع نحو التقدم، إذا ما توفر الأساس الدستوري والإرادة السياسية للحكومة والدولة.

في مراجعة بسيطة لفقرات الدستور، يمكن أن نجد ما يلي:

- تنص المادة 34 أولاً، على أن (التعليم عامل أساسي لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة وهو الزامي في المرحلة الإبتدائية وتكفل مكافحة الأمية). يشير تقرير منتدى دافوس الاقتصادي إلى أن 3 مليون طفل في العراق لا يذهبون إلى المدارس، وإلى زيادة مضطردة في عدد الأميين!!

- تنص المادة 34 ثانيا، على أن (التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله) هناك تشجيع متواصل وعلني للتوسع في المدارس الأهلية والاتجاه لخصخصة التعليم في العراق؟

- تنص المادة 34 ثالثا، على أن تشجع (الدولة البحث العلمي للأغراض السلمية بما يخدم الإنسانية وترعى التفوق والإبداع والإبتكار ومختلف مظاهر النبوغ). تشير الإحصائيات الدولية إلى أن الجامعات العراقية باتت تحتل مواقعاً متأخرة جداً في التصنيف العالمي للجامعات!!

إن 80%؜ من مدارس العراق بحاجة للإصلاح والترميم، ويصل عدد الطلاب بين 50 إلى 90 طالبا في الصف الواحد (عدد طلاب الصف النموذجي هو بين 18 إلى 25 طالبا). ويترافق ذلك مع وجود ظاهرة التهرب من المدرسة أو التسرب منها لتشمل حوالي 7 مليون طالب، وذلك بسبب الفقر واضطرار الأطفال للعمل لإعانة ذويهم.

إن إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية في مختلف مراحلها وتصفية آثار المرحلة السابقة، يحتاج إلى:

  1. التغيير في المناهج وفق أسس علمية بعيداً عن التخندق الطائفي والإثني، وتكريس الوطنية والمواطنة وقيم التسامح والمحبة والمساواة والديمقراطية والتعددية.
  2. إعتبار قطاع التربية والتعليم من الأولويات المهمة وتخصيص الموارد المالية والمادية والبشرية اللازمة له والإهتمام بتوفير الأبنية المدرسية بمواصفات عالية.
  3. إبعاد وزارة التربية ومديرياتها عن المحاصصة الحزبية والطائفية المقيتة التي أدت إلى فشل ذريع بالعملية التربوية.
  4. تنمية قدرة الطالب على التفكير النقدي وإستيعاب منجزات العلم والحضارة المعاصرين وتوظيفها في مجالات العمل والاختصاص.
  5. وضع خطط لضمان مكافحة الأمية وضمان مجانية التعليم وتفعيل الزاميته في الدراسة الابتدائية وتقليص ظاهرة التوسع بالتعليم الأهلي، وشمول رياض الأطفال بالسلم التعليمي والزامية التعليم وفق ماجاء بالدستور.
  6. وضع الطالب في مركز العملية التربوية وإحترام الهيئات التدريسية وممارسة الديمقراطية في الحياة الدراسية وتشجيع النشاطات اللاصفية والإهتمام بتدريب العاملين بهذا القطاع وتحويل مجالس الآباء والمعلمين إلى هيئات ساندة ومشاركة بالعملية التربوية.
  7. إصلاح التعليم العالي وضمان إستقلال الجامعات وحرمتها وعدم تقييدها بانتماء عقائدي أو ايدولوجي.
  8. إعتماد استراتيجية وطنية متوازنة في البعثات والزمالات وفي القبول في الجامعات والمؤسسات التربوية، تقوم على إساس الكفاءة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين المتقدمين على أسس طائفية وقومية وحزبية.
  9. الإهتمام بالتعليم التقني والمهني ومتابعة تطبيق القوانين والضوابط الخاصة بالمدارس والجامعات الأهلية.
عرض مقالات: