اخر الاخبار

هو الحق في الشمس والماء والهواء. والحق في الشغل والصحة والسكن. والحق في التعلم،   وفي الترقي. والحق في الرفض والقبول، وفي قول لا، متى كانت نعم على غير ما نرغب فيه من وجود، وحق في الوجود. والحق في قول نعم، عندما تكون نعم، هي نفسها الشمس التي نحلم بها، لا ما يشبه الشمس في الضوء فقط، أي ما يكون هلاماً واستهاماً.

الحق، هو نفسه الوطن، حين يكون الوطن رفيقاً بنا، كما نحن رفقاء به. وهو الأرض بما ينبت فيها من عشب وزرع وشجر، والأنهار وهي تتدفق في العشب تُحْييه، تبثّ فيه الحياة، وتفتح أعيننا على جلال الطبيعة وجمالها. فالوطن هو نحن. نحن الشعب بكل أطيافه، بكل طبقاته، وبكل من فيه وما فيه، دون فرق في الدرجة أو في النوع. مهما اختلفت الألسن، فهي الوطن بأكثر من لسان، ومهما اختلفت الثقافات والرموز والدلالات، فهي الوطن بتعدد وتنوع ثقافاته ورموزه ودلالاته.

الوطن ليس أرضاً نقيم فيها لنتركها متى الأنْهر علا ماؤها، أو البحر غمر الطمي والتراب، وخرج عن ملحه. بل الوطن هو نفسه الوطن، في كل الظروف والأحوال، وفي كل حالات الغمِ، كما في الشدة والرخاء. نفس الحق، بنفس الواجب، لا فرق، إذا ما كان الوطن هو ما يجري في أنفاسنا من هواء، وما يهبنا الإرادة، والميل إلى العمل والبناء، لا إلى الهدم، والسعي، فقط، إلى الاغتناء. أن نحيا نحن، دون أن نفكر في غيرنا ممن لم يجدوا قوتَ يومهم، أو من يبيتون في العراء، أو من ليس لهم شغل به يعتاشون، ويصونون كرامتهم من الابتذال، أو انتظار الطّعام من غيرهم.

الحق في الوطن، إذن، هو نفسه الحق في الاحتجاج والصراخ، وفي النقد وإبداء الرأي، متى بدا لنا أن هناك من يجر الوطن إلى الفساد، أو يعبث بخيراته، بمائه وهوائه، وبمعاش من فيه من مواطنين، من يتركون بيوتهم صباحاً، قبل أن تشرق الشمس، ليعودوا إليها في الظلمة، سواعدهم تكاد تسقط منهم لشدة ما بذلوه من جهد في الحفر والبناء، وفي إصلاح ما فسد من قناطر وطرق، أو ما شيدوه من حيطان وأسوار ومدن. هؤلاء، من يفنون أعمارهم في الكدّ، هم من يستحقون هذا الوطن، ولا نستثني الطبيب، ولا الجندي، ولا الأستاذ، ولا الشرطي، ولا المسؤول في إدارة شؤون الناس، أو الوزير، والقاضي، متى كان هؤلاء بنفس روح العامِل، بنفس توثبه، وتفانِيه، وبنفس الروح التي يكون الوطن في حشرجاتِها، هو أرض المحيا وأرض الممات.

بهذا المعنى نفهم الحقّ في الوطن، ونعيش فيه، لا بما يراه غيرنا، ممن الوطن عندهم كسب دون جهد، وثروة دون استثمار، واغتناء بعد فساد. هؤلاء هم أعداء الوطن، هم من أجهزوا على حقنا في الوطن، وجعلوا البطالة تستفحل، كما استفحَل الضيم والظلم، بتنا لا نعرف لأي أمر تُقترض الأموال، وسواعدنا تزداد ثقْاً بما سنؤدّيه نحن، وسيؤدّيه أبناؤنا وأحفادنا من ضرائب لتسديد أموال، لم نجن ثمارَها، ولا عرفنا لأي أرض صلُحت.

ما زال ثمة أمل نراه أمامنا، نرى أن الحق في كل شيء ممكن، لأننا لا نركن إلى العدم، أو النظر، فقط، في النصف الفارغ من الكأس. لكن، شريطة أن تكون العدالة هي ما نحمي به القانون، ونجعلها عمياء، لا ترى من يقف أمامها من يكون، وابن من هو، أو من أي طين خلقَ. آنذاك، يمكن أن يكون العدل هو الطريق نحو الحق، ونحو الوجود بالمساواة، لا الوجود بالفرق والانتماء، أو بهيمنة القليلين على الكثيرين، وشقاء الكثيرين من أجل سعادة القليلين. الحق هو المساواة في الفرص وفي الحظوظ. الشواهد والتجارب والخبرات هي نفسها، وألا تصبح الدولة والشعب معاً، رهينة في يد أحزاب أو أشخاص، هم من يقررون مصائرنا، وهم من يفتحون صنابير الشمس والماء والهواء، أو يغلقونها في وجوهنا متى شاؤوا، لأن الحق، هو أن نكون كلنا الوطن، وليس بعضنا ممن في يدهم يئِن هذا الوطن، أو شمسه تكاد تسقط في الماء.

ــــــــــــــــــــــــــ

شاعر وكاتب مغربي

عرض مقالات: